المواقع الاثریه والسیاحه فی کربلاء

اشارة

سرشناسه : طعمه، سلمان هادی، 1935- م.

عنوان و نام پديدآور : المواقع الاثریه والسیاحه فی کربلاء/ سلمان هادی آل طعمه.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1431ق.=1389.

مشخصات ظاهری : 139 ص.

شابک : 14000 ریال 978-964-540-221-9 :

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه: ص. [133]- 136؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع : حسین بن علی (ع)، امام سوم، 4 - 61ق -- آرامگاه

موضوع : زیارتگاه های اسلامی -- عراق -- کربلا

موضوع : کربلا (عراق)-- آثار تاریخی-- کتابهای راهنما

موضوع : کربلا (عراق) -- سیر و سیاحت

رده بندی کنگره : DS79/9 /ک4 ط74 1389

رده بندی دیویی : 956/75

شماره کتابشناسی ملی : 2028621

ص: 1

مقدمة الكتاب

كربلاء مدينة غنية بالعديد من الأوابد التاريخية والمعالم الأثرية التي يحتفظ بها التاريخ، وهي دليل على وجود حضارة ومَدَنية منذ العهد البابلي حتى يوم الناس هذا.

بعد أن نشرت كتابي الصغير (دليل كربلاء المقدّسة)- منذ سنوات-، وجدته لا يفي بالغرض المطلوب، فدعتني الحاجة إلى تأليف كتاب أشمل وأوسع؛ كي ما يستفيد منه المعنيّون والباحثون عن تلك المواقع الأثرية، والمعالم المنتشرة في أرجاء المدينة وضواحيها، فشمَّرت عن ساعد الجدِّ، ورحت أبحث وأنقِّب من أجل العثور على معلومات جديدة تفي بالغرض، وتلقي بالأضواء على كثيرٍ من الأبحاث التي لم تُستكمل دراستها.

إنَّ كربلاء لها خصوصية معروفة؛ حيث يؤمُّها الزوّار والسوّاح من مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وقد حظيت باعتزاز ورعاية سيدالشهداء الإمام الحسين بن علي وأخيه العباس (ع)، ولها منزلة روحية سامية.

ص:1

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص: 6

تناولتُ في هذا الكتاب الآثار القديمة، من قصور، ومساجد، وخانات، وطوق، وقناطر، ودور، وما إلى ذلك، غير أنَّ اختياري وقع على طاقَي الداماد والزعفراني؛ لأهمِّيتهما التاريخية والسياسية، وأنَّ أصحاب هذين الطاقين اشتركا في ثورة نجيب باشا سنة 1258 ه، وهما معروفان في الأوساط الاجتماعية. على أنَّ هناك أطواقاً أخرى، أمثال: طاق أبو لبن، طاق شيخ خلف، طاق آل بوضوي، طاق النقيب، طاق حاج أحمد، طاق سيد هاشم طعمة، طاق ماميثة، طاق بني سعد، وغيرها، لم نعثر على معلومات قديمة وافية عن كل منها.

أمَّا بالنسبة للمساجد، فقد اخترت ثلاثة منها لِقدمها، أمَّا الباقي، فقد أفردت لها كتاباً خاصاً باسم: (مساجد كربلاء وحسينياتها)، لم يُطبع بعد.

وبالنسبة للحمّامات، فقد تناولت التعريف بحمَّامين قديمَين، والباقي منها تناولتها في كتابي (كربلاء في الذاكرة)- مطبوع-.

وبالنسبة للقناطر، فقد اخترت قنطرتين، هما: القنطرة البيضاء، والحديبة، لأهمِّيتهما التاريخية والسياسية؛ حيث انطلقت منهما بعض الانتفاضات والمعارك. وهكذا بالنسبة للخانات والأسواق والدور، وغيرها من معالم المدينة الأثرية ومواقعها التاريخية.

لعل القارئ الكريم يدرك هدفي الذي توخّيته من هذا الكتاب، وهو: الحفاظ على الموروث الحضاري لهذا البلد.

ص: 7

تشتهر محافظة كربلاء بمعالمها السياحية، فضلًا عن المواقع الأثرية، إلى جانب كونها مدينة مقدَّسة، تضمُّ بين ثراها رُفات الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، وأخيه العباس 7؛ لذلك أصبحت كربلاء محطَّ أنظار السوَّاح والباحثين والمؤرِّخين في العالم، إذ يؤمُّها كل عام آلاف السوّاح والزوّار من أرجاء الدنيا فالوافد على كربلاء يجد نفسه في جنان خضراء، تفوح منها روائح الفواكه، والأزهار العطرة تملأ أجواء المحافظة أريجاً عبقاً، وتبهره منذ أول وهلة لوصوله، تلك المآذن والقباب الذهبية لأضرحة الأئمة الأطهار، التي تنعكس منها أشعة الشمس، لتصوغ جدائلَ تزيد المدينة الحالمة، الغافية على نهر الحسينية المعطاء، رونقاً وجمالًا وبهاءً.

وممَّا ينبغي التنبيه إليه، أنَّه ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة نبش المقابر والآثار التاريخية القديمة، لغرض استخراج محتوياتها الأثرية وسرقتها، من قِبل أناس مجهولين، والاستفادة منها، كما صرّح بذلك مسؤولون في المديرية العامة للآثار على القنوات الفضائية، حيث نبَّهوا إلى ضرورة اهتمام السلطات المحلِّية للحدِّ من هذه الظاهرة.

ص: 8

وإني كمُهتمٍّ بالتراث والآثار، أهيب بالسلطات المسؤولة بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والتراث، إلى متابعة هذه الظاهرة؛

لأنَّها انتهاك سافر لحُرمة هذا البلد، ولا يجوز لنا أن نبقى مكتوفي الأيدي أمام هؤلاء السُرَّاق.

ولا يسعني في الختام، إلّا أن أتوجَّه بالشكر الجزيل، والثناء العَطِر، لكل مَن ساعد في إخراج هذا الكتاب بإضافة معلومة، أو بتزويد صورة، أو أرشدني إلى بعض المصادر، واللهَ اسألُ أن يوفِّقنا جميعاً للعمل على خدمة بلدنا العزيز، وهو ولي العاملين.

العراق- كربلاء

سلمان هادي آل طعمة

14/ 11/ 1427 ه

5/ 12/ 2006 م

ص: 9

تمهيد

من المعلوم لدى المتتبِّع، أنَّ موقع كربلاء كان ولا يزال مهمّاً؛ نظراً لمكانتها وقدسيَّتها، بوجود قبرَي الإمام الحسين بن علي، وأخيه العباس (ع)؛ لذلك نرى أنّ الكثير من الفئات والأقوام وفدت على كربلاء من أرجاء المعمورة، لزيارة هذه المراقد المقدسة، وما جاورها من المعالم الأثرية. وليس بين المدن العربية مدينة حظيت بعناية الباحثين والعلماء والمؤرِّخين والبُلدانيين كمدينة كربلاء، التي تميَّزت برجالها، وعلمائها الذين آثروا الحياة الثقافية والفكرية العراقية والعربية، وكانت حاضرة الفرات ولمَّا تزل، زاخرة بالعلم والعلماء والمفكرين المبدعين. فقد عنى بوصفها العرب والمسلمون والأجانب وعلماء الآثار، قديماً وحديثاً، وكانت لها مدارس دينية، يدرَّس فيها الفقه والأصول، وآداب اللغة العربية، والطبّ والمنطق والكلام والفلسفة، والعلوم المختلفة الأخرى.

وقد أمدَّتنا المعلومات التاريخية، والوقفيات، والإعلامات، والحُجَج الشرعية المحفوظة لدى الكربلائيين، بأسماء ومواضع

ص: 10

المواقع الأثرية التي كانت شاخصة أمام الأبصار. ونحن لا نشك في أن بناءها لم يكن من المتانة والرصانة والقوة، بحيث يقاوم التقادم والحوادث الطبيعية، ولذا لم يبق منها طَلَل ولا أثر، وسبب ذلك يعود إلى أنَ تلك الآثار لم يُعتَن بإصلاحها، ولو رجعنا إلى ما كتبه الرحَّالة العرب والأجانب عن مدينة كربلاء، لوجدنا أنَّ الكثير من معالمها ومواقعها قد اندرس منذ العهود الإسلامية الأولى. ولكي نساعد على تعريف الناس بها، نحاول، في هذه الصفحات، أن نستقصي ما بقي منها.

ولا ينكر أنّ المدينة لها تاريخ حافل على مرِّ الأدوار والعصور، واحتفظت المراجع العربية والإسلامية بكثير من أخبارها. إضافة إلى ذلك أنَّ معظم هذه المعالم والمواقع خفي أمرها على الكثيرين، حتى عن أغلب الزوّار والمستشرقين، كما تعرَّضت إلى الهدم والتخريب؛ بسبب الظروف السياسية والطبيعية التي عبثت بشكلها الجميل. ولا شك أنّ أبنية تلك الآثار كانت تزخر بزخارف هندسية، أُعدَّت بشكل ملفت للأنظار، وقد استعملت هذه الزخارف بكثرة في عدد من البنايات، ممّا جعل المدينة قِبلةً للأنظار، واكتسبت أهمية كبيرة من لَدُن السياح والزوار والآثارييِّن والباحثين.

وقد أحسن فريق من أصدقائي المخلصين، فطلبوا مني الاعتناء بتدوينها؛ لأنَّها حلقة مفقودة من تاريخ كربلاء جديرة بنشرها،

ص: 11

وربما تمكَّنتُ من إيضاح كل هذه المعالم، خدمةً للعلم والمعرفة.

توجد في كربلاء آثار عديدة للصلحاء والمشايخ، الذين اشتهروا بالتقوى، في أزمنة مختلفة، وقدَّموا المزيد من التألُّق الإبداعي والثقافي، الذي يُمارَس منذ تأسيس المدينة. كما توجد مزارات ومراقد لأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة: وذويهم، أفردنا لها كتاباً خاصاً بها.

لقد بذلتُ في إعداد هذا البحث جهوداً مُضنية خلال زياراتي الميدانية، واستقيت هذه المعلومات من مصادر مطبوعة ومخطوطة، وممَّن أدرك هذه الآثار من الثقات، وممَّن رووه عن شيوخ عاشوا تلك المراحل، لكي تعمّ الفائدة المتوخّاة بصورة أشمل وإني لأُسجِّل بفخرٍ واعتزاز حقيقة هذه الآثار، التي تُعتَبر بحقٍّ من أبرز المواقع التاريخية والآثارية في هذه المدينة المقدسة، التي تُمثِّل منبراً عالياً في تاريخ العراق الفكري. وحسبي هنا أن أقوم بتسجيل موروث بلادي؛ فهو الكنز الثمين الذي يَغتَرف منه كلُّ المبدعين، وأُقدِّمه بكل تواضع للمُتلقِّي، بما في ذلك من صعوبة وإحراج.

وليعلم القارئ أنَّ الكثرة الكاثرة من أبناء هذا البلد، أو من غيرهم، يتعطَّشون للاطِّلاع والتعرّف على هذه المعالم والمواقع الكثيرة، المنتشرة في الأزقَّة والدروب الضيِّقة، في المحلات

ص: 12

والحارات، داخل المدينة والأماكن المحيطة بها، هذا هو ما دفعني للقيام بمسح عام لها، خدمةً للناطقين بالضاد.

سدَّد الله خطانا جميعاً، وهدى الوطن وأبنائه سبيلًا رشداً.

وفيما يأتي أهمّ وأشهر هذه المعالم والمواقع.

المؤلِّف

ص: 13

بُحيرة الرَزَّازَة

لابدَّ للزائر الذي يريد أن يُلقي عن كاهله هموم العمل ومتاعبه، أن يبتعد عن ضجيج المدن ودَويِّ المعامل، وزحمة الشوارع والأسواق، ويتَّجه إلى بحيرة الرَزَّازَة، بعد أن عطَّر أنفاسه بشذى القُدسيَّة التي تلفّ المدينة، فيقوده الطريق المُعبَّد، بعد 11 كيلومتراً غربي مدينة كربلاء، إلى بحيرة الرَزَّازَة الزرقاء، التي يبلغ طولها 60 كيلومتراً، وعرضها 30 كيلومتراً ويمكن للزائر هناك أنْ يستحم، أو أنْ يتجوَّل بالقارب لصيد الأسماك، وأنْ يستمتع بتلك السواحل الذهبية المترامية الأطراف، وبظلال الزوارق المتموِّجة على صفحات الماء، وبالغابات العذراء، من السرو والكالبتوز، وعندها تكون الكَازينوهات وأماكن الراحة مُهيَّئة لاستقباله.

أمّا موقع بحيرة الرزّازة، فيقع جنوبي بحيرة الحَبَّانيَّة، العائدة لمحافظة الأنبار، وعلى الحافَّة الشرقية من هضبة البادية الشمالية للهضبة الغربية من العراق. كما أنَّها تقع ضمن إقليم المناخ الصحراوي (الحار الجاف)، أمَّا جغرافياً، فيَحدّها من الشمال بحيرة الحبّانيَّة، وتتَّصل بها عن طريق قناة (تَخْلية المجرَّة)، ومن الشمال الشرقي مَجرى نهر الفرات، ومن الجنوب الشرقي قضاء كربلاء،

ص: 14

ومن الجنوب والجنوب الغربي منطقة الوديان السُفلى. وتبعُد أقصى الأطراف الجنوبية للبحيرة عن غرب مدينة كربلاء مسافة 15 كيلومتراً، وإلى الجنوب الغربي من العاصمة بغداد، وتبلغ مساحة البحيرة ألتي تقع فوق مستوى سطح البحر 40 متراً بمايقارب 1810 كيلومتراً مربعاً، ومنها 844 كيلومتراً، وبنسبة 6/ 46، ضمن الحدود الإدارية لمحافظة كربلاء.

ص: 15

عَينُ التَمْر

على بُعد 80 كيلومتراً جنوبي غربي كربلاء، تقع عين التمر، وهي عبارة عن: غابة من النخيل، تخترقها دُروب ريفية تلبسُ خضرة دائمة، وتقطع هذه الدروب القَناطِر الصغيرة، التي ترتفع فوق مياه صافية، دائمة الجريان وافِرة العطاء. وفي قلب الغابة المُزدَحمة بالنخيل، تنتشر العيون الكِبريتيَّة، التي تندفع منها المياه طيلة أيّام السّنة، والتي اكتسبت أسماءها من البيئة المحلية. بعض هذه العيون تكون فوّارَه، يخرج الماء من جهة، ثمَّ يهدأ ويخرج من جهة أخرى، ويرتفع مرَّة إلى درجة الامتلاء، ثمَّ يهبط إلى منتصف العُمق.

في شفاثا، التي هي قرية من قُرى عين التمر، توجد أكثر من 19 عين، كما توجد أكثر من 50 عيناً صغيرة وكبيرة، تمتد بين منطقة الرحالية إلى شفاثا، ولكنَّها مُندَرِسة، تُسمَّى «عيون بربويل»، لو أُصلِحَت وطُهِّرت، لظهرت فيها المياه المَعدنية الفوَّاره، وعمرت المنطقة.

ولقد خصَّصت الحكومة مبالغ لإعمار عين التمر، وإقامة الكثير من المُنشآت السياحية، وأماكن النزهة والراحة، ضمن خريطة المناطق السياحية في عراقنا الحبيب.

ص: 16

قَصْرُ شَمْعُون

يقتضي التنويه إلى أنَّ هناك قصراً يُقال له: (قصر شمعون)، وهذا القصر في إحدى منازل شيوخ شفاثا ((1) )، ويُنسَب إلى شمعون بن جابر اللخمي، الذي نَصَرَ النعمان الرابع سنة 593 م.

ويرجع بناء القصر إلى قبل الإسلام، عندما كان اليهود يَقطِنون بلدة شفاثا قبل الفتح، ولكن لم يبحث عنه أحد إلى هذا التاريخ ( (2)).

وجاء في كتاب (الدليل العراقي لسنة 1354- 1355 ه/ 1935- 1936 م):

«قصر شمعون: ويرجع تاريخه إلى ما قبل الهجرة النبوية، يقع بالقرب من شثاثة، وهو فَخْمٌ، عليه دالَّة العظمة والأُبَّهة»

( (3)). وإنَّ ما توصَّل إليه طالب الشرقي، في كتابه (عين التمر)، حيث قال: «إنَّ قصر شمعون ورد ذكره باسم (قلعة شمعون)، سُمِّي


1- شفاثا أو شثاثة ناحية تبعد عن كربلاء 85 كيلومتراً، تقع غرب كربلاء، وأصبحت اليوم قضاء يُعرَف بعين التمر، تابعاً- من الناحية الإدارية- لمحافظة كربلاء، وهي في طليعة المدن التي دخلها الإسلام، سنة 12 ه، وهي واحة خضراء مُحاطَة برمال الصحراء، مشهورة بأشجار النخيل والزيتون والرمان، وبساتينها كثيرة، ويعتمد فلاحوها على العيون والآبار الارتوازية، وعدد سكانها يبلغ 30 ألف نسمة، موزعة على 18 قصراً أو منطقة
2- جريدة الندوة الكربلائية، ع 14، ص 3.
3- الدليل العراقي لسنة 1936 م، ص 687.

ص: 17

بذلك نسبة إلى شمعون بن جابر اللخمي، أحد رجال الدين المسيحي، تمَّ تشييده بين أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الميلادي، ولم يبقَ من هذا القصر غير الأطلال، وبعض جدرانه قائمة، يبلغ سُمك كل جدار قرابة المِترين، وارتفاع الأطلال 7 أمتار تقريباً، وهي مُشيَّدة بالحجر الكِلْسِي والطين، ولا تزال فُوَّهة السرداب مفتوحة، تدلّ على وجوده أسفل القصر» ((1) )؛ نَوَّه عنه (الدليل الإداري للجمهورية العراقية) فقال: «

قصر شمعون، ويرجع تاريخ بنائه إلى القرن السادس، ويقع في قضاء عين التمر

» ( (2)).

وذكر الماحي المصري في كتابه (رحلة وديوان الماحي) ما نصّه: «

وكان اليهود يسكنون هذه القرية قبل أن يفتحها المسلمون، ولا يزال بها أطلال قصر الملك، يُقال له شمعون

» ( (3)).

إنَّ هذا الأثر التاريخي المهم، يستدعي عناية واهتماماً من لَدُن الآثاريِّين، والشروع في التنقيب، للكشف عنه، والبحث والتحرِّي، كي ما يتوصَّل إلى معلومات قيِّمة جديدة؛ لما له من أهمِّية تاريخية فائقة، ولئلّا يعاني الإهمال واللامبالاة من قِبَل الجهات الحكومية ذات العلاقة.


1- عين التمر، طالب علي الشرقي، ص 100.
2- الدليل الإداري للجمهورية العراقية، وزارة الحكم المحلي، ص 129.
3- رحلة وديوان الماحي، ص 644.

ص: 18

قَصرُ العوينة

هناك قصر أثريٌّ شامخ، يقال له: (قصر العوينة)، يقع على بُعد ساعة من شمال قصر الأخيضِر، ويقع في أراضي مُنبسِطة، وفيه عَينٌ مَطمُورة، قيل: إنّه من القصور التابعة حاميته إلى قصر الأخيضر، وأهالي شفاثة يزرعون أراضي هذه العين، أو هذا القصر، دائماً. ( (1))

وجاء في (الدليل العراقي الرسمي لسنة 1355 ه/ 1936 م): «قصر العوينة: ويقع شمال قصر الأخيضر ويرجع عهده إلى ما قبل الإسلام». ( (2))

وقد ذكر طالب الشرقي في كتاب (عين التمر): «أن عين العوينة صُغِّر اسمها لصغر مساحتها، وقِلَّة مياهها، وهي تعود إلى وَرَثَة الحاج رحمان البنَّاء». ((3) )

يتبيَّن لنا ممَّا سبق، أنَّ هذا الأثر تمتد أصوله إلى قرون سابقة للإسلام، ولكن لا يمكن تقديره تقديراً دقيقاً، وعسى


1- جريدة الندوة الكربلائية، ع 14، ص 3.
2- الدليل العراقي الرسمي لسنة 1936 م، ص 687.
3- عين التمر، طالب علي الشرقي، ص 73.

ص: 19

أن ينبري الآثاريون في التنقيب والاعتناء له وإظهاره بالمظهر اللائق، فهو من الآثار السياحية المشهود لها، فلابدّ من الاهتمام بهذا الموقع التاريخي، الذي كان يعاني الإهمال طيلة هذه العهود، وضرورة الالتفات إليه من قِبل الجهات الحكومية المسؤولة.

ص: 20

حصنُ الأُخَيْضِر

صَرْحٌ عراقي أصيل، هو المشهور بعظمته وجسامته وقِدمه، ويُعتبَر من المعالم العربية الإسلامية المتميِّزة الرابضة في قلب الصحراء القريبة من كربلاء، ومن أكثرها استهواءً للسوّاح.

إنَّ موقع هذا الحصن على مسافة تقرب من 60 كيلو متراً عن مدينة كربلاء، باتجاه عين التمر، وقريباً من عين التمر التي لا تبعد عنها أكثر من 17 كيلو متراً، ويطلُّ على الوادي في وضعه الحالي، ينحدر إلى هور أبي دبس، وعلى الأغلب هو شبهٌ لمَجرَى الفرات السابق.

ليس من السهل التعرّف على تاريخ إنشاء هذا الحصن التاريخي الشامخ، فإذا ما رجعنا إلى المصادر والمراجع القديمة، نستمدّ منها بعض الآراء التي قد تساعدنا على معرفة تاريخ إنشائه، فمن قائل إنَّ قصر الأخيضر من أبنيةِ العصر العباسي، وذلك لأنَّ المؤرخين مُجمِعون على ذلك. ومن الباحثين كالبلاذري، الذي أشار إلى أن هناك حصناً معروفاً يقع قرب عين التمر، يُعرَف ب- (قصر مقاتل)، وهو الحصن الذي يُنسَب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة بن إمرئ القيس

ص: 21

ابن زيد بن مناة ((1) ). وقد ذكره الطبري بأنَّ الإمام الحسين بن علي (رضى) وصل إلى قصر مقاتل وهو في طريقه إلى كربلاء ( (2)).

وكان قصر مقاتل قد صار إلى عيسى بن علي، وكان موضعه في منطقة الأخيضر، وتورد المصادر التاريخية أنَّه خرب قصر مقاتل وجدّد عمارته، وذلك في زمن المنصور (3).

ويرئ الدكتور صالح أحمد العلي: أنَ قصر مقاتل ربما كان الأخيضر نفسه، فإن لم يكن هو، فإنَّ قصر مقاتل كان قريباً منه (4).

وهذا بحث صريح تناول الرأي الذي عُولِجت فيه هذه المسألة، وهو أنَّ الأخيضر كان قائماً حوالي سنة 157 هجرية 773 م، وهي السنة التي تسبق وفاة ثاني خلفاء الأُسرة العباسية، أبي جعفر المنصور 134- 158 ه/ 751- 774 م؛ وذلك نتيجة العثور على عدد من المسكوكات يتراوح تاريخ ضربها بين سنتي 157 و 162 هجرية. ( (5))

وذكر ياقوت أنَّ النبي (ص) صالحَ أكيدر على دومة الجندل وأمنه، وقَرَّر عليه وعلى أهله الجِزية، وكان نصرانياً فأسلَمَ أخوه (حربث)،


1- معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج 4، ص 121.
2- تاريخ الأمم والملوك، للطبري، ج 3، ص 307.
3- مجلة سومر، مج 21، 1965 م، مقال د. صالح أحمد العلي.
4- مجلة سومر، مج 21، 1965 م، ص 246، بحث منطقة الكوفة، د. صالح أحمد العلي.
5- مجلة سومر، مج 37، 1981 م، ص 171، مقال لعبدالعزيز حميد.

ص: 22

فأقرَّه النبي (ص) على ما في يده، ونقض أكيدر الصُلح بعد النبي (ص)، فأجلاه عمر من دومة الجندل فيمن أجلَى من مخالفي دين الإسلام إلى الحيرة، فنزل في موضع منها قرب عين التمر، وبنى فيها منازل وسمَّاها: (دَومَة)، وقيل (دوماء) اسم حصنه بوادي القرى، فهو قائم يُعرَف، إلَّا أنَّه خراب ... الخ ( (1)).

وقد ذهب العلامة شكري الآلوسي إلى أنَّ كلمة (الأخيضر) مُحرَّفة من اسم الأكيدر، وهو اسم أميرٍ من أُمراء كِنْدَه، أسلَمَ في صدر الإسلام؛ فالقصر يجب أن يكون قد شُيِّد من قِبل الأمير المبحوث عنه قبل الإسلام. ( (2))

أمَّا الأستاذ الدكتور مصطفى جواد، فقد ذهب في عام 1366 ه/ 1947 م إلى أنَّه أَثَرٌ من آثار الساسانيين، مُعتقداً بأنَّ طِراز العمارة بعيد عن الحضارة العربية ( (3)). وقد سبقه بذلك (لويس ماسينسون) المستشرق الفرنسي، حيث زار كربلاء في عام 1326 ه/ 1908 م، معتقداً بأنَّه من الأبنية الساسانية، ونَسبَ بناءه لأحد ملوك الحيرة من اللخميّين، بناه له معمار إيراني. وذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أشار إلى أنَّه ربما كان قصر السدير الذي تحدَّث عنه الشعراء ( (4)).


1- معجم البلدان، مج 2، ص 106.
2- مجلة لغة العرب، ج 1، السنة 2 1912 م.
3- مجلة سومر، مج 3، سنة 1947 م.
4- دائرة المعارف الإسلامية، الترجمة العربية، ج 2، ص 466- 467، القاهرة- دار الشعب د. ت

ص: 23

أمّا الذين ذكروا أنَّه شُيِّد بعد الإسلام، فقد اختلفوا أيضاً حول العصر الذي شُيِّد فيه، وباسم مُشَيِّده.

ويؤكد الخبراء أنَّ الأخيضر حصن إسلامي، يعود تاريخ إنشائه إلى القرن الثاني للميلاد. وبُغية إغناء هذا الموضوع، يقول الخبير الآثاري المرحوم الدكتور محمد باقر الحسيني الكربلائي: «إنَّ الآثارييّن العراقيين استندوا في تحديدهم لتاريخ بناء حصن الأخيضر على وجود المسجد ( (1))، الذي تبيَّن أنَّه من أصل البناء، وليس مضافاً كما جاء في تقارير الآثاريين الأجانب، إضافة إلى وجود المحراب، وقد ظهر هذا النوع من البناء لأول مرة في العمارة الإسلامية بعد عام 90 ه/ 709 ميلادية ...

ويضيف الخبير الآثاري: إنَّ ما يعزِّز الاعتقاد بأنَّ الحصن يعود للعصر الإسلامي؛ وجود دلائل معمارية إسلامية، وتشابه زخارفه مع زخارف مئذنةالملويّة بسامراء، والعثور على مسكوكة عربية ذات طراز إسلامي، عُثر عليها في الأرضية الأصلية للبناء، يعود تاريخ ضربها إلى عهد الخليفة أبي جعفر المنصور، سنة 156 ه. ( (2))


1- إنَّ وجود المسجد ضمن هذا الحصن لا يؤيد بناءه قبل الإسلام، إلَّا إذا افترضنا أن المسلمين هم الذين أضافوا إلى الحصن هذا المسجد، وهذا يؤدّي إلى افتراض أنّ حصن الأخيضر لم يُبنَ مرة واحدة، وإنّما بُني على مراحل.
2- جريدة الجمهورية، ع 6856، السبت 25/ 6/ 1988 م، مقال: قصر الأخيضر والحركة الواسعة لتجديد وصيانة أجزائه.

ص: 24

ويعتقد الأستاذ (كريسوبل) بأنَّ الحصن شُيِّد في العصر العباسي الأوّل، (القرن الثاني للهجرة)، ويحتمل أن يكون تشييده من قِبل عيسى بن موسى، ابن أخ السفاح والمنصور، وولي عهد الأخير في الخلافة، وكان يومئذٍ والياً على الكوفة من قِبل المنصور. ويسند (كريسوبل) رأيه عن زمن البناء بأدلَّة علمية آثارية؛ بمقارنته بالأبنية الإسلامية المعروفة. ( (1))

وقد ذاعت للأخيضر شهرة واسعة في الناس، إذ أنَّه يُعتبَر من المواقع الاستراتيجية، ومركزاً مهمّاً لمُلتقَى طُرق البادية الرئيسية، التي كانت تربط بين أجزاء مختلفة من البادية، وتبرز أهمّية الأخيضر- أيضاً- كنقطة مهمَّة، تربط العراق بالعالم الخارجي؛ إذ كان يربط بين حلب- البصرة من جهة، وبين بادية الشام وهضبة نجد من جهة أخرى، وَوَصْل البحرِ المتوسط، عن طريق الشام، مع المحيط الهندي، بواسطة ميناء البصرة، قبل اكتشاف رأس الرجاء الصالح وإنشاء قناة السويس.

وتطرَّق الأُستاذ مكي الجميل إلى المواقع الأثرية في البادية فقال:

«فهناك على بُعدِ أربعين كيلومتراً من جنوب غرب كربلاء، وبمسافة 16 كيلومتراً من جنوب شرقي شفاثا، يوجد حصن كبير واسع الأرجاء، ثابت الأُسس شاهق البناء، أشبه بقلعة كبيرة مُربَّعة


1- الأخيضر، علي محمد مهدي، ص 12.

ص: 25

الشكل، أو بقاعدةٍ حربية ذات بناء متين وقرار مكين، هذه القلعة أو هذا الحصن هو حصن الملك (الأكيدر الكندي)، المسمَّى اليوم (قصر الأخيضر). وما تزال جدرانه قائمة وبروجه شاهقة، إلَّا أنَّ الطبيعة عبثت ما عبثت به، ولطول الزمن استولى عليه الخراب. طول كل ضلع من أضلاعه 170 متراً. أمَّا القَصر فمستطيل الشكل، يبلغ عرضه 80 متراً، وطوله 110 أمتار وقد شُيِّد هذا القصر في داخل الحصن، الذي يتصل به من الجهة الشمالية، حيث يبقى بينه وبين الجدران الداخلية للحصن فناء واسع من الجهات الثلاث، وفي مدخل القصر دِهليز فخم، يعلوه طاق مرتفع. أمَّا الجامع، فيقع من الجهة الغربية من الدهليز. وجدران الحصن الخارجية مجهزة بسلسلة أبراج من جهاته الأربع، والأبراج الكائنة في الزوايا تستوقف الأنظار أكثر من غيرها.

وقد بُني هذا القصر بهذا الشكل في وسط البادية؛ لكي يكون مسيطراً على البادية، وعلى طُرق المواصلات فيها، والقوافل التي تخترقها للمتاجرة بين البحرين، الأحمر والأبيض المتوسط، وخليج البصرة.

ومن المُرجَّح أنّ هذا الحصن بُنيَ في عهد عمر بن الخطاب (رضى)، في سنة 635 م، أو السنة الثانية من خلافة عمر؛ بدليل وجود جامع ومحراب فيه، إلَّا مارواه بعض المستشرقين، من أنَّ الحصن قد أُنشئ قبل الإسلام، ثمَّ أُحدث الجامع والمحراب.

ص: 26

ومن الجائز أنَّ كلمة (الأخيضر) محرَّفة عن اسم الأكيدر الكندي، الذي يدلّ التاريخ على أنَّه بُني في عهده، وهو عهد يتَّفق مع عصر الإسلام في أوّل نشأته ( (1)). وقد أُطلق على هذا القصر اسم قصر الخراب، أو اسم (قصر الخفاجي عامر) ((2) ).

وممَّا تجدر الإشارة إليه، أنَّ بعض الباحثين يحتمل أنَّ تاريخ هذا الحصن يرجع إلى عصر ما قبل الإسلام، وإذا ما وُجدت فيه بعض الآثار العباسية، فإنَّما يعود إلى أنَّ القصر مرَّ بفترات تعاقبت عليه مختلف الأجيال.

ومع هذا كله، لم يُعثَر على تاريخ حقيقي له، ونتيجة للمُكتَشَفات الآثارية التي أظهرتها نتائج الصيانة، وبالنظر لأهمّيته الفنّية المعمارية السياحية، فإنَّ مديريّة الآثار العامة في العراق قد أولَتْ عناية واهتماماً في صيانة جوانب هذا القصر، والباحثون ما يزالون يعكفون حالياً على دراسة هذه الآثار الهامَّة، التي تُلقي أضواء جديدة على هذا الحصن، ومنهم المرحوم الأُستاذ علي محمد مهدي ( (3))، الذي بذل مجهوداً كبيراً في التحقيق عن هذا الأثر


1- البدو والقبائل الرحاله من العراق، مكي الجميل، بيروت، 1426 ه/ 2005 م، ص 214.
2- جريدة الندوة الكربلائية، مقال: سليمان الدخيل، ع 14، تموز 1941، ص 3.
3- أديب كربلائي معروف، وُلد سنة 1938 م، وتوفي سنة 1999 م، شقَّ طريقه في عالم التراث والآثار بجدارة، وامتاز بأبحاثه الجادة، صدر له: 1- الأخيضر بغداد 1969 م)، 2- الآشوريون (بغداد 1969 م)، 3- أعمال ومنجزات مديرية الآثار العامة (بغداد 1968 م)، 4- حصن الأخيضر (بغداد 1968 م

ص: 27

التاريخي الهام؛ فأَكبَّ على دارسته وتمحيصه، ومقارنة مختلف نصوصه، وراجع العدد الوافر من المصادر العربية والأجنبية، فعلَّق عليها بحواشٍ مستفيضة، وملاحق مُمتعة، وبذلك جاء كتابه من أهمِّ المصادر التاريخية، فكان عمله هذا خير خدمة للتاريخ؛ فالبناء لايزال شامخاً يدل على عظمة بانيه، ودقة التخطيط والإبداع في عمارة الأخيضر.

مهرجان الأخيضر

أُقيم مهرجان الأخيضر الأوَّل في 17/ 1/ 1392 ه/ 3/ 3/ 1972 م، في منطقة (الأخيضر) الواقعة غرب كربلاء، وقد حضر المهرجان زهاء سبعة آلاف مواطن.

قدَّم طلبة أكاديمية الفنون الجملية مسرحية (فيت روك)، إعداد وإخراج جعفر علي.

أُسرة الفيلم العراقي (الظامئون) كانت من بين الوفود التي حضرت المهرجان.

من أبرز الفعَّاليات التي أُقيمت فيه: معرض الفنون التشكيلية، وآخر لمُنجَزات المحافظة، وسوق صغيرة للصناعات الشعبية.

ص: 28

حضر أعضاء السفارة الفيتنامية في بغداد المهرجان، وقدَّموا هدايا مصنوعة من حطام الطائرات الأمريكية المُعتدية، إلى المشاركين في إعداد وتهيئة برنامج المهرجان الأول.

شهدَ الحصن الأثري أول تجربة للرسم في الهواء الطَلْق.

كان انعقاد المهرجان ثلاثة أيام، إعتباراً من يوم 27 من نيسان، للأعوام التي تَلَت المهرجان الأول.

جريدة الأخيضر

أصدرت اللجنة الإعلامية لمهرجان الأخيضر جريدة تحمل عنوان (الأخيضر)، بعدد أيَّام المهرجان، وقد إستمرَّ صدور الجريدة زهاء سبع سنوات، 1392- 1398 ه/ 1972- 1978 م، حرَّر فيها رعيلٌ من أُدباء المدينة مواضيع تتعلَّق بهذا الصَرح التاريخي والأثري المهمّ، تميَّزت بعُمق الفكرة وقوة البيان وروعة الأسلوب، منهم: المؤلّف والدكتور محمد باقر الحسيني، وأحمد عبدالمجيد، وطارق أمين الخفاجي، وسيد عزي الوهاب آل طعمة، وغيرهم.

ص: 29

قصر عَطْشان

حصن منيع موقعه في السهل الرملي الممتد بين قصر الأخيضر والكوفة، وهو خان كبير بُني بالطابوق والآجر.

لم تذكر المصادر أيَّة معلومات أو ملتقطات عن تاريخ بناء هذا القصر أو الخان، كي يتم الاعتماد عليها في تثبيت بنائه، أو الذي أمرَ بتعميره، حتى تسهل مهمَّة الباحث في الربط بينه وبين الأخيضر.

تشير جملة من المصادر التاريخية إلى أنَّ المرجَّح لتاريخ هذا الخان هو التاريخ الذي أُنشئ فيه قصر الأخيضر نفسه، ويعتقد (كريزول): أنَّ خان عطشان كان دار استراحة لعيسى بن موسى، كلّما كان يتوجَّه للصلاة في جامع الكوفة، أيّام الجُمَع والأعياد ( (1)). وجاء في موسوعة العتبات المقدسة- قسم كربلاء- ذكر لهذا الأثر: (ثمَّ مرَّت- المس بيل- بخرائب (خان العطشان)، الذي يقوم في وسط سهل منبسط، كانت تنتشر فيه قُطعان بني حسن وخيامهم، لأنَّ قسماً منهم كان يُخيِّم على مقربةٍ من الخان نفسه، وهي تقول:


1- شريف يوسف، تاريخ فن العمارة العراقية في مختلف العصور، ص 304.

ص: 30

إنَّه أثر جليل من الآثار القديمة. يعود تاريخ تشييده إلى القرن التاسع الميلادي أيضاً، أي إلى عهد الخلافة العباسية في سامراء على رأيها ...) ( (1)).

وكتب عن هذا القصر الرحالة الفرنسي (تافرنيه) في رحلته إلى العراق؛ قوله:

«قد يكون هذا القصر الكبير الذي اكتشفه تافرنيه (خان العطشان)، وهو بناء قديم تُرى أطلاله ورسومه في البادية، غربي الفرات، على نحو ثلاثين كيلومتراً من جنوب غربي كربلاء، وهو- على حدِّ وصف رحّالتنا- مبني بالآجر، وما زالت كثير من جدرانه وأقواسه وبعض عقاداته تُرى إلى يومنا هذا.

إنَّ لهذا البناء صلة بالمَوقِدَة (المَوجِدَة)، وهو منار يبعد عنه مسيرة ساعتين إلى الشمال الغربي. إنَّ هذه المباني التي تُرى بقاياها منثورة في طف البادية، كانت فيما مضى مسالح ومعاقل وحصوناً ومناور للدّولة الفارسية، تقيها شرَّ هجمات دولة الروم، وقد وصفت الآنسة (المس بيل) خان العطشان وصفاً أثرياً دقيقاً في كتابها الموسوم:

Gl. Bell: place and Mosque at Ukhaidir( oxford 4191 pp. 14- 34 )

» وقد ورد في كتاب (العمارات العربية الإسلامية في العراق) ما نصّه: «يقع وسط بادية واسعة ومرتفعة قليلًا، وفي منطقة تكاد تخلو


1- موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء، جعفر الخليلي، ج 1، ص 216.

ص: 31

من السكان في الوقت الحاضر، ويقوم الآن إلى غَربهِ طريق كربلاءالنجف، ويبعد حوالي 16 كيلومتراً باتجاه الغرب من خان النخيلة، وبمسافة 30 كيلومتراً جنوب غربي كربلاء، والبناء صغير نسبيّاً إذا ما قورن مع الأخيضر» ((1) ).

وبنيان قصر عطشان لا يزال رصيناً، ووضعه بقيَ على ما كان عليه يوم إنشائه، وتكشف أبنيته عن متانةٍ واتقانٍ ودقةٍ في التصميم، واهتمام في الهندسة، وهذا القصر المسكون بالصمت والرهبة، يتمتع بتاريخ عريق، لعلَّه كان مقرّاً عسكرياً، وتشاهد الأقواس في بنائه. وجاء في جريدة (الندوة) ما نصَّه: «وبين مَوقِدة وبين الكوفة (قصر العطشان)، المسمَّى بهذا الإسم بالعصر الحاضر، وهذا القصر هو واسطة بين القصر الأول وبين الكوفة، لإخبار مَن في الكوفة بالإنارة حسب العادة القديمة، وسُمِّي بالعطشان لانطماس منابع مائه» ((2) ). ويمكنك أن تجد في هذا القصر معالم حضارية تعود إلى العصور القديمة، فهو من الشواهد التاريخية الشاخصة، ومن الآثار التي تُمثِّل واحداً من أبرز الشواخص في العراق، جدير بأن يُصان من قِبل الجهات المسؤولة.


1- د. عيسى سلمان وجماعته، العمارات العربية الإسلامية، ص 39.
2- جريدة الندوة الكربلائية، مقال سليمان الدخيل، ع 14، ص 3.

ص: 32

منارة موجدة

صرح أثري شامخ يُسمِّيه عرب اليوم ب- (قصر موجدة)، يطلّ على وادي الطار، وهو قصر توجد فيه منارة لا زالت باقية، وفي الخبر أنَّها كانت تُوقَد فيها النار إشعاراً لقصر الأخيضر إزاء التحدِّيات والمخاطر، أو لإرشاد القوافل بين بلاد الشام والحجاز مروراً بالحيرة.

ولهذا سُمِّي القصر بالاسم المشتق من الإيقاد، فقيل قصر موقدة. ( (1))

ولابدّ أن يكون (عطشان) مرتبطاً تخطيطاً وبناءً وزخرفةً بالأخيضر، أي إلى النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، ويرتبط بها أيضاً البُرج المعروف ب- (موجدة)؛ حيث تدل التسمية على نوع الوظيفة التي أريد أن يؤدِّيها هذا البرج، وهو علامة للمسافر بين عطشان والأخيضر.

جاء في (الدليل العراقي لسنة 1354- 1355 ه/ 1935- 1936 م) قوله: قصر موقدة بالقرب من الأخيضر، وتعلو هذا القصر منارة عالية لا تزال قائمة ( (2)).


1- جريدة الندوة الكربلائية، مقال: سليمان الدخيل، ع 14، ص 3.
2- الدليل العراقي لسنة 1935- 1936 م، ص 687.

ص: 33

وجاء في موسوعة العتبات المقدسة- قسم كربلاء- ذكر موجدة بما يلي: وحينما غادرت- المس بيل- موقع الأخيضر، مُتَّجهة إلى بابل فبغداد، مرَّت على مسيرة أربع ساعات منه بأوّل أثر من الآثار القديمة، يقال له (موجدة)، وهو برج مُدوَّر مُشيَّد بالآجر تشييداً دقيقاً، وهي تعتقد بأنَّه من الأبراج التي كانت مُقامة لحراسة الطريق، يرجع تاريخه إلى القرن التاسع الميلادي. ( (1))

وتجدر الإشارة إلى أنَّ النصف العُلوي من المنارة مُهدَّم، والنصف الآخر لايزال محافظاً على هيكله، وقد بُني بالآجر المربَّع الكبير والجص، وهي اليوم تعدُّ من المعالم الحضارية الأصيلة، ولا تزال عالقة في ذاكرة التاريخ، ونحن نطلب من الجهات المسؤولة عن الآثار إلى الاهتمام بهذا الأثر التاريخي، الذي يُمثِّل أحد المواقع الأثرية في عراقنا الحبيب.


1- موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء، ج 1، ص 316.

ص: 34

كهوف الطار

إحدى الشواخص الأثرية المهمَّة التي تحتضنها محافظة كربلاء، تقع في الطريق بين كربلاء والأخيضر، فوق تلٍّ صخري، يُشاهَد على يمين الطريق العام، ويُشكِّل هيئة اسطوانية بفتحاتٍ متعدَّدة، وهي بناية قديمة على بعد 40 كيلومتراً جنوب غربي كربلاء، و 15 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من قصر الأخيضر.

بَعثات التنقيب توصَّلت إلى وجود أكثر من 2000 قطعة، أُجريت الصيانة على بعضها في اليابان، وعادت للقُطر محفوظة في صناديق زجاجية، ومعبَّأة بالنتروجين، للحفاظ عليها من التأثيرات المَناخية والعوامل الطبيعية، ويعود تاريخ هذه القطع إلى العصور الإسلامية القديمة، وهي منسوجة بخيوط ملوَّنة مصنوعة من الصنوبر والوَبَر وشعر الماعز، وفي حالاتٍ نادرة من شعر الحمير، وتتراوح مساحة القطعة الواحدة من هذه الأعمال بين 3- 80 سنتمتراً مربَّعاً، وتندرج بضمنها قطع سجّاد وملابس ذات زخرفة هندسية بديعة، وبعض القطع مُطرَّزة بوجوهٍ نسائية وبزخارف شبيهة (الأَتَمين) يشغِّل العد عندنا، وقد تمَّت ملاحظة هذه الأنسجة

ص: 35

بالمِجهر، وجرى تصويرها بشكل مُكبَّر بألوانها الطبيعية، وهي تقع الآن في أروقة المؤسَّسة العامة للآثار والتراث ((1) ).

لا تزال كهوف الطار شامخة تتحدَّى عوامل الزمن، وتتحدَّث عن روعة الباني وبراعة المعمار العراقي؛ حيث حافظت على طراز بنائها وهندستها المعمارية.


1- كربلاء بين ماضيها المجيد وحاضرها المشرق، اللجنة المنظِّمة لاحتفالات يوم المحافظة، ص 74.

ص: 36

كنيسة الكصير

هذا الموقع الأثري الذي يُعرَف ب- (كنيسة الكصير) ((1) )، يبعد بمقدار 15 كيلومتراً عن حصن الأخيضر، باتجاه عين التمر، ويحتوي الموقع على كنيسة أثريَّة، ربما لا أكون بعيداً عن الصواب إذا ما زعمت لك أنَّها تُعتَبر أقدم كنيسةٍ شرقية مسيحية في العراق.

لدى زيارتي لها يوم 16/ 11/ 1416 ه/ 5/ 4/ 1996 م، وجدت آثاراً تُعزِّز الاعتقاد بأنَّها شُيِّدت قبل الإسلام، وفيها قبور تحيط بالموقع، وعلى بعد 10 أمتار من المنطقة، يقع مركز ديني تحيط به مجموعة من القبور المهدَّمة، وهي مرفوعة عن مستوى الأرض. وقد ذهبت البعثة العراقية إلى أنَّ هذه الكنيسة ترقى إلى القرن الأول للميلاد، واستدلَّت على ذلك من بعض اللقى والآثار التي عثرت عليها هناك.

والكصير بناء قديم لم يبقَ منه إلَّا أثر الجدران، مبني بالآجر والجص، ويُحاذي طريق عين التمر. وجاء في كتاب (دليل كربلاء


1- تحقيق مصور عن كنيسة الكصير- مجلة ألف باء كانون الأول سنة 1995 م بقلم: السيد مصطفى هاشم آل طعمة مدير آثار كربلاء

ص: 37

السياحي) ما هذا وصفه: الأقيصر الحالية- بحسب ماتدل آثارها- مدينة نصرانية شُيِّدت في القرن الرابع الميلادي، لتكون ملجأ للثائرين على الكنيسة البيزنطية، وأصبحت مركزاً كبيراً من توابع مملكة الحيرة. إنَّ موقع الأقيصر الحالي يحتلّ مساحة قدرها 400 ألف متر مربع، ويضمّ العديد من المقابر والكنائس والأبراج، والمجامع السكنية والأدِيرة وخزائن الكتب، كما طُبِّق فيها نظام دقيق للرَي، ونعني بذلك أنَّ الزراعة فيها كانت مُزدهرة. وفي الموقع كثير من الصُلبان المرسومة على الفُخار، ولا تزال المئات من الجرَّاة الفخارية الموجودة أسفل تلك الأبراج، ورسومات تُمثِّل رُهباناً وقساوسة وكتابات أثرية، على الأرجح في اللغة الآرامنية، أو اللغة المشتقَّة منها (السريانية)، معها بعض القطع الأثرية بالخط الأسطرنجيلي.

تحتضن مدينة كربلاء أقدم كنيسة أُسِّست قبل مائة وعشرين عاماً من ظهور الأسلام، وتقع غرب الفرات، على مسافة 70 كيلومتراً جنوب غربي كربلاء، وعلى بُعد 5 كيلومتراً من قصر الأخيضر التاريخي المعروف، وتقع وسط موقع يُطلَق عليه (الأقيصر).

كان في هذا الموقع مدينة متكاملة تزخر بالحياة منذ قرون بعيدة، ويعكس هذا أنَّ تأسيس مدينة كربلاء يعود إلى ماقبل استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).

ص: 38

والكنيسة التي تقع وسط الصحراء، تضمّ رسوماً متعدّدة، عبارة عن صُلبان ترمز للدلالة على الديانة المسيحية.

وتوجد على جدران الكنيسة كتابات آرامية، تعود إلى القرن الخامس الميلادي، حسب ما أكَّده الباحثون والآثاريون. كما تضمّ الكنيسة مجموعة من القبور، التي يعود قسم منها إلى القَسَسَة ورجال دينها. وهذه المدافن ملاصقة للكنيسة، بالإضافة إلى أنَّ قسماً من هذه المدافن يعود إلى عامة الناس، ويبعد عن الكنيسة مسافة تزيد عن 20 متراً. ويحيط الكنيسة سور بُنيَ من الحجر، فيه أربعة أبراج، وله خمسة عشر باباً للدخول، مقوَّسة من الأعلى، فيما يبلغ بناء الكنيسة ستة عشر متراً، وعرضها أربعة أمتار، ولقد بُنيت الكنيسة من الطابوق.

إنَّ العوامل البيئية عرَّضت الكنيسة إلى الكثير من التخريب، من خلال ماتعرَّضت له من كوارث ((1) ). وفي كتاب (كربلاء أرض المقدَّسات) تعريف بهذه الكنيسة، جاء فيه: تقع منطقة الأقيصر على مسافة 10 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من حصن الأخيضر، وبحدود كيلومتر واحد عن المنطقة السياحية في بحيرة (الرَزَّازة)، وهذه المنطقة عبارة عن تلول أثرية ومقابر مسيحية قديمة. وقد قامت أعمال التنقيب في التلَّ الرئيسي منها، مابين عامَي


1- دليل كربلاء السياحي، إعداد: سمير خليل شمطو، ص 72.

ص: 39

1398- 1399 ه/ 1978- 1979 م، تمخَّض عن إكتشاف كنيسة شرقية تعود إلى القرن الأول الميلادي، وعليها كتابات وصُلبان محفورة على الجص. والكنيسة عبارة عن بناءٍ مستطيل الشكل، يضمُّ قاعة رئيسية، ومذبح، وغرفة جانبية وملحقات أخرى، وقد استخدمت مواد الحجر والجص في بنائها ( (1)).


1- كربلاء أرض المقدسات، إعداد: ماجد جياد حسين الخزاعي، ص 51.

ص: 40

حصن البرداويل

يقع هذا الأثر التاريخي شمال غربي شثاثة، في الطريق بين البادية والرحالية، مارّاً بالأخيضر والنجف، وقد عُدَّ ضمن سلسلة المباني المُندرسة في الطريق المُمتد بين بادية الشام والرحالية. ((1) )

وجاء في كتاب (عين التمر): «والبرداويل بناء قائم على مُرتَفع، يتألف من صفَّين من الغرف، في كل صف ثلاث».

وقال في الحاشية: «لم أجد لهذا الأثر ذكراً في كتب الآثار والبلدان التي وقفتُ عليها، وتُحكى عنه الحكايات الشبيهة بالأساطير، وقد قِيل إنَّه كان صومعة لعابد مسيحي قبل الإسلام، ويُلاحَظ أَنَّ شكله الحالي يشبه صوامع الرُهبان». ( (2))

وذكر الفاضل سمير خليل شمطو في وصفه لهذا القصر قائلًا: «يقع على تلٍّ علوه 15 متراً، ومحيطه 400 متراً، وباب القصر مقابل مرقد السيد أحمد بن هاشم، وهو عبارة عن قُبَبٍ أربع، الواحدة جنب الأخرى، مبنيَّة بالحجارة نفسها التي بُني بها قصر الأخيضر،


1- الأخيضر الآثار القديمة في العراق مديرية الآثار العراقية، ص 3.
2- عين التمر، طالب علي الشرقي، ص 25، الهامش.

ص: 41

ومُغطى باطنها بالجص والبورق» ((1) )، ومن ذلك كلّه نستنتج: أنَّ قصر البرداويل مَعلَمٌ حضاري يعود إلى العصور القديمة، وبالتحديد إلى 500 سنة قبل الإسلام.

كما تشير إلى ذلك المصادر، وقد سكنتْ فيه قبائل عربية، منها: قبائل ربيعة، وتغلب، وبكر، وشيبان، وغيرها.


1- دليل كربلاء السياحي، سمير خليل شمطو، ص 81.

ص: 42

نينوى

تشير معظم الروايات التاريخية إلى أنَّ موقع نينوى هو بالقرب من قرية الغاضريَّة. جاء في (مراصد الاطلاع): «نينوى بالكسر ثُمَّ السكون، وفتح النون والواو، بوزن طيطوى ...، وبسواد الكوفة ناحية يُقال لها نينوى، منها كربلاء التي قُتل فيها الحسين (ع) ( (1)). على أنَّ نينوى في عين الحال اسم لنهرٍ كان يتفرَّع قديماً من الجانب الغربي من الفرات، فكانت الأراضي التي يسقيها هذا النهر، وفي ضمنها كربلاء، تحمل اسمه، أمَّا مباشرة أو بطريق الإضافة ((2) ).

ونَبَغَ فيها رجال، وإليها يُنسَب الشيخ الفقيه حميد بن زياد، من أهل نينوى، قرية إلى جانب الحائر (على ساكِنه السلام)، ثقة كثير التصانيف، روى الأُصول أكثرها، له كتب كثيرة على عدد كتب الأُصول ... توفي سنة 310 ه، كما ذكره النجاشي والعلامة في الخلاصة. ((3) )


1- مراصد الإطلاع، لعبد الحق الحنبلي، ص 106.
2- كربلاء وتاريخ عمرانها، د. عبدالجواد الكليددار آل طعمة، ص 20 مخطوط.
3- الفهرست، للشيخ الطوسي، ص 60.

ص: 43

كانت نينوى بابل هذه في كربلاء قديماً من أُمَّهات القرى، بل من المدن الشهيرة في جنوب العراق، وكانت عامرة زاهرة بالعلوم والآداب، كسائر القرى الإسلامية، وعاصر عمرانها زمن الصادق جعفر بن محمد (ع)، ثُمَّ أخذت بالانحطاط رويداً رويدا، حتى طُمِسَت معالمها واندرست آثارها ودخلت في خبرِ كان، في أوائل القرن الثالث الهجري، وموقعها اليوم- حسب التحقيق- شرق بلدة كربلاء، قرية من الفرات مُحاذية لكرد طويريج- طويريق من قضاء الهندية، وهي الآن رَوابٍ وتلال، فيها آثار جمَّة، لو عنيت الحكومة بالبحث عن آثارها لانكشف الغطاء، وأُزيل الستار عن تاريخها الغامض، بما تصل إليه يد التنقيب والاجتهاد. ولم يزل الأَهلُون يطلقون على تلك الروابي المرتفعة لفظة نينوى، وهي من جملة الآثار في لواء كربلاء ((1) ).

وقد ورد ذكر نينوى في التاريخ قبل وَقْعَة الطَفْ بخمسة وعشرين عاماً، إذ مرَّ بها أميرالمؤمنين (ع) في طريقه إلى صِفِّين لحرب معاوية؛ أخرج ابن سعد عن الشعبي، قال: «مرّ علي (رضى) بكربلاء عند مسيره إلى صِفِّين وحاذى نينوى، قرية على الفرات، فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض، فقِيل كربلاء، فبكى حتى بَلَ


1- مجلة المقتبس، مج 7، 1330 ه/ 1912 م، ص 748.

ص: 44

الأرضَ من دموعه» ((1) ). وذكرها الطريحي في مَجْمَع البَحرين: «كربلاء موضع معروف، بها قبر الحسين (ع)، ونينوى من جُملة أسمائها». ( (2))

وأشار إليها العلامة الشيخ محمد السماوي في أرجوزته (مجالي اللُطف بأرض الطَفّ) بقوله:

ونَيْنَوى لَقَريَة قَديمَه جَدَّدَ فيها يونسٌ أَديمَه

إذ قَذَفَته النُونُ عارِي البَشَرَه فأَنبَتَ اللهُ عليه الشَجَرَه

وذاك في روايةٍ مَعرُوفَه قِيل بِها وَ قِيل بَلْ بالكوفَه (3)


1- الصواعق المُحرقة، ابن حَجَر، ص 115.
2- جنات ثمانية، محمد باقر بن مرتضى الحسيني، ص 406.
3- مجالي اللُطف بأرض الطف، الشيخ محمد السماوي، ص 4.

ص: 45

الغَاضِرِيَّة

تشمل بُقعة واسعة من الأرض، منسوبة إلى غاضرة من بَني أسد، وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء ( (1))، أمَّا من حيث الموقع، فإنَّ الغاضرية واقعة على مَقربة من قبرِ عون بن عبدالله في شماله.

وفي أواسط القرن الثالث الهجري، نَبَغَ فيها جَمعٌ من الأعلام، منهم الشيخ عباس بن عيسى الغاضري، وولده الشيخ محمد بن عباس الغاضري ((2) ).

وهناك آثار قَلعَةٍ حَصِينَة تُعرَف بقلعة بني أسد، والبناء قائم منها إلى اليوم مقدار ذراع ونصف، وعرض سورها ثلاثة أذرع بالحديد البغدادي، وكبر الآجرة الواحدة ذراع بغداد في مثله، فهي إذن مربَّعة الشكل. وكانت الغاضرية سابقاً قرية طارَ صِيتُها في الآفاق، على عهد الدولة الأموية، وأدرك عمرانها أوائل الدولة العباسية، وكان الزمان يحاربها ويقارعها، فتارة تغلبه وأخرى يغلبها، ولم تزل بين صعود وهبوط، ورُقيٍّ وانحطاط، حتى فاضَ النَفَس الأخير في


1- ياقوت الحموي، مُعجَم البلدان، ج 6، ص 261.
2- رجال النجاشي، ص 241، وتنقيح المقال، 3/ 135.

ص: 46

أواسط الدولة العباسية، ولم يبقَ منها إلَّا أطلال دارِسَة، وآثار بالية، وأنقاض تنطق بما كان لها في الأزمنة الغابرة من الشأن الخطير، والعمران المنقطع النظير ( (1)).

وفي كتاب (تاريخ كربلاء وحائر الحسين (ع) تعرف بالغاضرية، هذا نصه: «الغاضرية قرية عامرة في الصدر الأول، كانت تمتدّ على رقعة واسعة من الشمال الشرقي من كربلاء، وفي طريقها كان يقع مرقد العباس (ع)، حيث دُفِن على مَشرَعَةِ الفرات، في المحلِّ الذي استشهد فيه، فيكون موقع الغاضرية- حَسبُ الظاهر- في البساتين الواقعة اليوم على الجهة اليُمنى من نهر الحسينية، من الشمال الشرقي من المدينة، بين تلِّ الهيابي ومقام الإمام جعفر الصادق (ع) وأربع نهران، وهي لاتزال معروفة بإسم (الغاضريات) ( (2)).

قال العلامة الشيخ محمد السماوي في أرجوزته (مجالي اللُطف بأرض الطَفِّ):

والغاضِرِيَّاتُ لأَنَّ غَاضِرَه من أسدٍ قد تخذَتْ حاضِرَه

وفيهِ نَهْرٌ لَهُم أو أَنهُرتُعرَفُ في نِسبَتِهِم وتَشهر (3)


1- مجلة المقتبس الدمشقية، مج 7، السنة 1330 ه/ 1912 م، ص 748.
2- تاريخ كربلاء وحائر الحسين*، د. عبد الجواد الكليددار آل طعمة، ط 2، ص 112.
3- مجالي اللُطف بأرض الطف، الشيخ محمد السماوي، ص 4.

ص: 47

النَواوِيس

النواويس جمع ناووس ( (1)) وهو يُطلَق على حجرٍ منقورٍ مُجوَّف، تُوضَع فيه جُثَّة الميِّت. وعُرفت المنطقة باسم (النواويس) قديماً، وهو موضع بحذاءِ كربلاء، وفيه كانت قرية عامرة تضمّ من حولها قبورا، اشتهرت بهذا الاسم في التاريخ.

وجاء في البحار: «قال الكفعمي: النواويس مقابر النصارى» ((2) )

وقد وُجدتْ بعض الآثار لها في بعض بساتين كربلاء، فعثروا- على ما يُقال- على حبوب من فُخار مستطيلة الشكل، وفيها أحياناً تراب أخضر أو أصفر اللون، فيظنّها البعض، على سبيل الحدس لا التخمين، بأنَّها من تلك النواويس القديمة المعروفة ( (3)).

وقد ورد ذكر النواويس في خطبةٍ للإمام الحسين (ع)، حين خروجه من مكة المعظَّمة إلى العراق، في أواخر عام 60 للهجرة، حيث قال: «كأنِّي بأوصالي تُقطِّعها عُسلان الفلوات،


1- ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج 8، ص 243. والزبيدي، تاج العروس، ج 4، ص 365.
2- بحارالأنوار، محمد باقر المجلسي، ج 87، ص 223.
3- جغرافية كربلاء القديمة وبقاعها، د. عبدالجواد الكليددار آل طعمة، ص 57 مخطوط.

ص: 48

بين النواويسِ وكربلاء، فيَملأنَ منِّي أكراشاً جوفا وأجربةً سغبا ...» ( (1)). وجاء في كتاب (كربلاء وتاريخ عمرانها): النواويس هي الآن مقابر، مُفردها ناووس، على وزن فاعول، واللفظة دخيلة على العربية. وهذه القطعة واقعة في شرق كربلاء، ممَّا يلي بحيرة السليمانية، في محلٍّ يُقال له (براز علي)، وزان ذهاب، وتتَّصل بنهر الحسينية، ويوجد في هذه القطعة الآثار المُؤيِّدة لصحَّة موقعها ووجودها، كالتلال والرَوابي والمرتفعات، ويستخرج منها أحياناً توابيت الخَزَف، وفي داخلها طريق ضيِّق للغاية ... الخ» ( (2)).

يظهر لنا ممَّا تقدَّم، أنَّ النواويس كانت في أواسط الربع الأخير من القرن الثالث الهجري، وكانت آنذاك قرية مأهولة بالسُكان، وأنَّها كانت قريبة من الحير، وكانت تقع- حسب هذه الرواية- بمسافة عن الحير، في الطريق الذي منه كانوا ينتهون إلى الكوفة في ذلك العهد، وأنَّ الأموال المودعة في أطراف الحير وحواليه في النواويس والكوفة وغيرها؛ كانت- حسب الظاهر- موضوعة لغرض إعادة البناء وتعمير القُبَّة المُطهَّرة، كلّما هدأت الأحوال وأُعيدت المياه إلى مجاريها، بزمنٍ قليلٍ قبل حكاية أبي سورة، لأنَ


1- أعيان الشيعة، محسن الأمين، ج 4، ص 276.
2- كربلاء وتاريخ عمرانها، د. عبدالجواد الكليددار آل طعمة، ص 27 مخطوط.

ص: 49

السقيفة كانت قد سقطت على الزائرين، في ذي الحجة من سنة 273 هجرية. ( (1))

هكذا أجمع أصحاب السِيَر والمقاتل على أهميّة هذا الموضع الأثري، بعد وجود آثار ومقابر للنصارى، كان يرجع عهدها إلى ما قبل الفتح الإسلامي.


1- بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج 9، ص 679. وانظر: أعيان الشيعة، ج 3، ص 588.

ص: 50

آثارُ الحائر الحُسيني

إنَّ مدينة كربلاء المقدَّسة هي إحدى أهمّ الحواضر الإسلامية البارزة؛ من ناحيتَي الفَنِّ والعُمران، ففيها نشأت حضارة، وشُيِّدت آثار تتجلَّى فيها روائع الفنّ المعماري الإسلامي، كالمراقد والمساجد والمدارس، يُشار إليها بالبَنان، وهناك الكثير من تلك الآثار التي كانت تُزيِّن الحائر الحسيني، والمعاهد العلمية والمساجد، التي أقدمت على هدمها البَلديَّة، وترك هدمُها تأثيراً بالغاً في نفوس عامة الناس، وأصاب الحزنُ رجال الدين والعلماء وأهالي المدينة، فكانت خسارة جَسيمَة لا تعوَّض لدى كافة المَعنيِّين بالآثار. ومن أبرز هذه الآثار المُهدَّمة هي:

1. موقوفات مدرسة الزينبيَّة

2. مدرسة الزينبيَّة

3. جامع رأس الحسين (ع)

4. مدرسة الصدر الأعظم النوري

5. الجامع الناصري

6. مقام رأس الحسين (ع) في وسط الجامع

7. مسجد مدرسة حسن خان

ص: 51

8. مدرسة السردار حسن خان

9. مآذن مقابر البُويهيِّين

10. مقابر الملوك البُويهيِّين ( (1)).

وذكر العلامة الشيخ محمد صادق الكرباسي، في موسوعته، وجود عددٍ من المساجد في المرقد الحسيني، هي كالآتي:

1. مسجد رأس الحسين (ع) (61- 64 ه)

2. مسجد شاهِين

3. مسجد مَرجان

4. المسجد الناصري

5. مسجد الرَشْتِي ((2) ).

وكُتب التاريخ والسِيَر الخاصَّة بالإمام الحسين بن علي (ع) طافحة بها.


1- تاريخ كربلاء وحائر الحسين*، د. عبدالجواد الكليددار آل طعمة، ط 1، ص 168.
2- دائرة المعارف الحسينية، للشيخ محمد صادق الكرباسي/ تاريخ المراقد، 3/ 290.

ص: 52

مسجد عمران بن شاهين

من المساجد القديمة في كربلاء، شَيَّده عمران بن شاهين في أواسط القرن الرابع الهجري، أي في سنة 369 ه جاء في كتاب (مدينة الحسين (ع)) ما هذا نصّه: «كان عمران بن شاهين صيَّاداً وقاطع طُرق، واستفحل أمره فتولَّى إمارة البطيح قُرب واسط، وجرى بينه وبين مُعزّ الدولة البُويهي قتال، أُغرِقت على أثره ضِياعُ عمران في البطيح، فلاذَ بالفرار إلى الغَري، ورأى الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الرؤيا مخاطباً إيَّاه: «لا تَخَفْ، سيأتي فناخسرو إلى هنا فلُذ به، وسيُفرِج عنك» فأخذ على نفسه من ساعته أنْ يُشيِّد مسجداً ورواقاً في الغري والحائر إذا تمَّ له ذلك، واختفى في مشهد الغَرِي حتى قدوم عَضدالدولة البُويهي إلى النجف، فرأى شخصاً واقفاً بجوار مشهد الغري وسأله عن اسمه، فأخبره عمران بن شاهين عن الرؤيا، ونادى فناخسرو باسمه، فاندهَشَ عضدالدولة من معرفته حقيقة الأمر، وأفرجَ عنه، وأولاه في عام 369 ه إمارة البطيح، وقام من ساعته وأمر ببناء الرواق بالمسجد في الغري، ومثلها في الحائر بكربلاء، وسُمِّي الرواق رواق ابن شاهين، وبنى بجواره مسجدا» ((1) ).


1- مدينة الحسين*، محمد حسن الكليددار آل طعمة، ج 1، ص 28.

ص: 53

وورد في كتاب (العرب والعراق) قوله: «وذكر الصَفَدي في نُكت الهميان أنّ أحمد بن بختيار وليَ البطائح هو وأبوه من قَبل ولمَّا هانَ أمر العباسيِّين، انتقلت إمارتها إلى معزِّ الدولة وبقيت في يده حتى عام 328 ه، وانتزعها منه عمران بن شاهين الخفاجي، وقد بقيت هذه الإمارة بيد عمران بن شاهين- من أهالي الجامدة من قُرى البطايح- إلى أن تُوفّي عام 368 ه، وكانت ولايته أربعين عاماً، طوى فيها صفحات مهمَّة، وولَّى ابنه الحسن، وتوفّي الحسن بن عمران وتولَّى أخوه الحسين بن عمران، وفي عام 372 ه قُتل الحسين وخُتِمت إمارة آل شاهين». ((1) )

لا يخفى على القارئ أنَّه لم يزل قسم من هذا المسجد باقياً حتى اليوم، ولكنَّه يستعمل كخزانة لمَفروشات الروضة الحسينية، وموقعه خلف الإيوان المعروف ب- (إيوان الناصري).


1- العرب والعراق، علي الشرقي، ص 163.

ص: 54

صَحنُ الإمام الحُسين (ع)

الصحن الصغير

يقع هذا الصحن في الجهة الشرقية من الصحن الحسيني الكبير، وهو مُلحَق به، يرجع تاريخه إلى القرن الخامس الهجري، وهو ذو مساحة تُقدَّر ب- 30 متراً مربعاً يحتوي الصحن على الآثار الفَنيِّة القديمة.

جاء وصفه في (تاريخ كربلاء وحائر الحسين (ع))، وهذا نصّه: «وهذا الصحن الصغير هو هذه الساحة المُسَوَّرة الفخمة، الأثريَّة القديمة، من العصر العباسي الثاني، والتي يُزيِّن جدرانها العالية الرفيعة ذلك القاشاني الأثري البديع الصُنع، وتُزيِّن سقوف مداخلها المُقرنصات الفنيِّة البديعة، المُعلَّقة على طول المُسقّف، في شبه اسطوانات هندسية الشكل، ذات الأضلاع والزوايا المتداخلة، المتنوّعة والرقيقة الصُنع والتركيب، المتلبّسة كلّها بأحسن تلبيس فني هندسي كامل، بالفُسَيفُساء والقاشاني المُعرَّق، من النوع القديم المُمتاز النادر والثمين؛ لأنَّ البناء كلّه يرجع إلى ألف سنة بالضبط، من عهد البُويهيِّين إلى اليوم.

ومُقرنَصات سقوف مداخل هذا الصحن الصغير على شاكِلة المُقرنَصات الموجودة، لكن من نوعٍ أوطأ منها في سقوف بعض المداخل الأخرى لصحن الحسين (ع).

ص: 55

وتصل هذه البناية المُجلَّلة التاريخية، أو الصحن الصغير كما يُعبَّر عنه اليوم، من جهة الغرب بصحن الحسين (ع)، وبينهما دهليز واسع كبير، مُزيَّن تقريباً بنفس التزيين الفنّي، ولكن من نوع أوطأ من ذلك الفسيفساء، والقاشاني القديم ممَّا تتنافس متاحف العالم على اقتناء أمثاله. وأمَّا من جهة الشرق، فتقع على مُفترَق طُرق البلدة الشمالية والشرقية والجنوبية، بجانب السوق الكبير في قلب المدينة، ولها مدخلان، مدخل شمالي ويُدعَى اليوم ب- (باب الصحن الصغير)، ومدخل شرقي يُدعى ب- (باب الصافي)، نسبةً إلى مقبرةٍ تقع على جانب الباب، وهي عائدة إلى بيت السيد مهدي الصافي، من سادات ووجهاء كربلاء السابقين. ومن هذا المدخل أو الآخر يقصد الزائر عادة حرم العبَّاس (ع)، بعد أداء الزيارة لحرم الحسين (ع).

وقد اتَّخذ الملوك البُويهيّون هذا المحل مدافن لهم في الحائر الحسيني، لتكون قبورهم على طريق الزائرين بين الحرمين الشريفين، فشيَّدوا هذا البناء الهندسي الجميل الطراز والأُسلوب، وهو بمجموعه آية في الفنِّ والصنعة، وهو من الأبنية الأثرية التاريخية القديمة، يرجع عهده إلى العصر العباسي في القرن الرابع والخامس من الهجرة. ((1) )


1- تاريخ كربلاء وحائر الحسين*، د. عبدالجواد الكليددار آل طعمة، ط 2، ص 175.

ص: 56

والذي يجدر ذكره أنَّ الزائر عندما يدخل من باب الصحن الصغير، أو باب السوق، تتراءى له مئذنتان صغيرتان أثريَّتان، قيل إنّهما من آثار آل بويه، غير أنَّ صاحب كتاب (مدينة الحسين (ع)) يخالف هذا الرأي، وينسب تشييدهما إلى نجيب باشا، فيقول: «تقع هاتان المئذنتان في الجهة الشمالية، ضمن المقبرتين العائدتَين إلى كلٍّ من المرحوم العلامة السيد إبراهيم القزويني الحائري، والعلامة المرحوم السيد محمد مهدي ابن السيد مير علي الطباطبائي، وقد أُنشئت المقبرتان بأمرٍ من نجيب باشا في عام 1262 ه، كما يظهر هذا التاريخ تحت الكتائب الموجودة في مدخليهما» ( (1)). وجاء في (سفرنامه عتبات ناصرالدين شاه قاجار) ما تعريبه: «وفي الطريق بين الصحن الحسيني إلى الصحن العباسي توجد صفّة مُسقَّفة، وعلى جانبيها الأيمن والأيسر حُجرات، وفي الحجرة الواقعة في الجانب الأيسر دُفن الملّا آغا الدربندي، والآغا السيد مهدي الطباطبائي، والشيخ محمد حسين صاحب الفصول الاصفهاني. وأمَّا في الحجرة الواقعة في الجانب الأيمن، فقد دُفن الآغا السيد إبراهيم المجتهد القزويني، والآغا سيد مهدي شقيق السيد إبراهيم، والشيخ محمد حسين القزويني. ( (2))


1- مدينة الحسين، محمد حسن الكليددار آل طعمة، ج 1، حاشية ص 36.
2- سفرنامه عتبات، ص 115.

ص: 57

وقد شهد هذا الصحن في العشرينات من القرن الماضي كتَّاباً لتعليم الصبيان، يُديره المرحوم السيد محمد رضا الاستربادي، ثُمَّ تحوَّل إلى المدرسة الأحمدية. وممَّا يجدر ذكره أنَّ الصحن الصغير هذا تهدَّم على عهد عبدالرسول الخالصي، في يوم الأربعاء 22 محرم سنة 1368 ه، المصادف ليوم 24/ 11/ 1948 م.

لقد أدركتُ هذا الصحن في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، ولِي فيه ذكريات كثيرة، ولا تَسَلْ عمَّا كان عليه من إتقان الصنع ورصانة البُنيان، حتى اندرست رسومه، وانمحت علومه، وأقفرَّت أرضه.

كأنْ لَم يكُن بين الحَجُونِ إلى الصَفاأنيسٌ ولمْ يَسمُر بمَكَّةَ سَامِرُ

وجاء في مجلة (الدليل): «وفي الصحن الحسيني قبور بعض الملوك الدَيالِمَة، وفي الحضرة الحُسينيَّة قبور بعض الملوك القاجاريِّين ( (1)).

ولعلَّ من المفيد هنا أن نذكر أنَّ القبور المذكورة أعلاه، قد وقعت في شارع الحائر عند تهديم آثار الحائر الحسيني وتجديد بنائه في عام 1410 ه/ 1990 م، وفي الآونة الأخيرة رُمز إليها برمزٍ يدلُّ على أنَّهم أعلام نذروا أنفسهم لخدمة الدين والوطن.


1- مجلة الدليل النجفية، ع 1 و 2، س 2 1366 ه، ص 137، مقال للسيد عبدالرزاق الحسني.

ص: 58

بيت المِزْيَدِيَّة

أثرٌ إسلامي عتيق يقع في زقاق يُعرَف بعَكْدِ المِزيَديَّة ( (1))، الذي عُرف فيما بعد بعَكْدِ أُم عزيز القابلة المأذونة، وهي (فاطمة بنت شمس الدين). وهذه الدار تقع في محلَّة باب الطاق، إحدى محلَّات كربلاء القديمة، التي كانت تُعرَف بمحلَّة (آل فائز)، أيام الرَحَّالة الطَنجي ابن بطُّوطَة، الذي زار كربلاء سنة 726 ه وآلُ فائز هم أحفاد السيد إبراهيم المُجَاب بن محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم (ع)، أوَّل عَلَوي سكنَ كربلاء سنة 247 ه ( (2)).

يعدُّ هذا البيت من المعالم الحضارية المهمَّة في هذه المدينة، وقد بُني من جذوع النخل والطين والتِبْن، ويتكوَّن من طابقَين، ومَن أراد الوصول إلى السطح عليه أن يتسلَّق السلالم الخشبية المُتآكِلة لِقِدمها، وهي تتأرجح تحت قدميه.


1- بنو مِزْيَد: هم من قبيلة بني أسد، وُلاة النيل والحلّة. المزيدية من أرض بابل، وقد عُرفوا بذلك نسبةً إلى جدِّهم مِزْيَد، ومدَّة إمارتهم في الحلّة وضواحيها والنيل ونواحيه 142 سنة، ابتداؤها في عصر آل بويه سنة 403 ه، وانتهاؤها في عصر السلاجقة سنة 545 ه. أنظر: البابليَّات/ للشيخ محمد علي اليعقوبي، ج 1، ص 1.
2- نُزهة أهل الحَرَمَين في عمارة المَشهَدين، للسيد حسن الصدر، ط 2، ص 36.

ص: 59

وقد بقيت الدار هكذا قروناً متطاولة لم يطرأ عليها تغيير، ومالكان هذا البيت شقيقان أو قريبان، أحدهما يُدعى (مُحيي) والآخر (هلال)، وهما من الحلَّة السيفيّة، كانا يأتيان في المناسبات الدينية وينزلان في هذا البيت، أمَّا اليوم، فلم تبقَ من معالمه ما يُشير إلى وجوده، فقد عَمَّه الخراب وتناثر منه التراب، وأُقيم على أنقاضه فندق بُنيَ على طِرازٍ حديث.

ص: 60

مَنارةُ العَبد

تقع في الجانب الشرقي من صحن الحسين (ع)، في الطريق المؤدِّي إلى الروضة العباسية، شيَّدها مرجان سنة 767 ه يروي الباحثون والمؤرّخون أنَّ منارة العبد هذه هي مئذنة مرجان، (مُشيِّد جامع مرجان في بغداد)، عبدُ السلطان أويس الجلائري، الذي تعيّن والياً على العراق، فرفع راية العصيان ضدَّه، واستبدَّ ببغداد حتى اضطرَّ السلطان أويس أن يسير إليه من تبريز فيقضي على حركته، وحينما فشلت الحركة التجأ إلى كربلاء مُستجيراً بحرم الإمام الشهيد (ع)، فعلم أويس بذلك وصفحَ عنه، ثُمَّ استدعاه إليه فأكرمه، وأعاده إلى وظيفته والياً على العراق من جديد.

وكان حينما استجار بالحرم المطهَّر قد نذر أن يبني مئذنة خاصّة في الصحن الحسيني الشريف، إذا خرج ناجياً من الغُمَّة، ففعل ذلك وبنى حولها مسجداً خاصاً، ثُمَّ أجرى لهما من أملاكه في كربلاء وبغداد، وعين التمر والرحالية، أوقافاً يُصرَف واردها على المسجد والمئذنة، وأصبحت تلك الأملاك الموقوفة أوقافاً حُسينيَّة منذ ذلك

ص: 61

الوقت ( (1)). ومن الجدير أن نوضِّح أنَّ هذه المئذنة كانت مَرصَداً لمراقبة الأعداء الغُزاة، ومركزاً دفاعياً للمدينة.

أمَّا موسوعة العتبات المقدسة، فقد تحدَّثت عن هذه المئذنة بقولها:

«وفي صحن الحسين (ع) مئذنة منفردة، يقال لها: (منارة العبد)، وهي مُغشّاة بالقاشاني المُلوَّن، ويُروى عن سبب إنشائها في هذا المحل المنعزل، أنَّ زنجياً كان يسكن الصحن ويكتسب كسباً ضعيفاً، فاقتصد على نفسه حتى جمع ثروة مَكَّنته من تشييد هذا الأثر الخالد له» ( (2))، وفي كتاب (گُلشن خلفا): أنَّ الوالي العثماني (علي باشا وندزاده) بأمرٍ من السلطان زار كربلاء وشيَّد المسجد والرواق والقبة، وعمَّر أيضاً قباب شهداء كربلاء، وتاريخ المنارة (انكشت يار، سنة 982 ه) ((3) ).

وذكرت (دائرة المعارف الإسلامية): أنَّها شُيِّدت في 982 ه، وأنَّها كانت تُسمَّى (انكشت يار)، وتعني: خُنصر المُحب، وأنَّ السلطان مراد الثالث أمر والي بغداد علي باشا وند زاده، في 991 ه/ 1583 م بترميم الحائر وإعادة تعميره ( (4)). وقد تمَّ ذلك كلّه في


1- د. عبد الجواد الكليددار آل طعمة، تاريخ كربلاء وحائر الحسين*، ط 2، ص 241.
2- جعفر الخليلي، موسوعة العتبات المقدسة، قسم كربلاء، ج 1، ص 156.
3- گلشن خلفا، نظمي مرتضى زاده، ص 208 و 209.
4- المصدر السابق، ص 366.

ص: 62

سنة 767 للهجرة، غير أنّ الشاه طهماسب بن الشاه إسماعيل الصفوي أمر بترميمها وتحسينها في سنة 982 ه. ولا شك أنَّ هذا التاريخ هو الذي توهَّم به كاتب الخلاصة الواردة في دائرة المعارف الإسلامية آنفة الذكر، فاعتبره تاريخاً لبداية تشييد المئذنة. وأوَّل من أرَّخ هذا العمل الشاعر الشيخ محمد السماوي في أرجوزة له، قائلًا:

ثُمَّ تداعى ظاهر المنارةللعبد واستدعى له العمار

فمَدَّ كفَّه لها طهماسب وعُمِّرت بما لها يُناسب

وأُرِّخَت ما بين عجم وعرب انكشت يار تعني نصر المُحِب (1)

إنَّ هذه المئذنة التاريخية المهمَّة، التي نوَّهنا بشأنها وبيان ما كانت عليه من إتقان الصُنع ورصانة البُنيان، ترتفع إلى ما يُناهِز الأربعين، كما كانت مُزيَّنة بالقاشاني البديع، والفُسَيفساء النادر والزَخارف الثمينة.

وقد هُدِّمَت بأمر رئيس الوزراء آنذاك، ياسين الهاشمي، سنة 1354 ه/ 1935 م وذلك بحجَّة ميلانها، وفي كتاب (تاريخ كربلاء وحائر الحسين (ع)): هُدّمت منارة العبد ظلماً في سنة 1354 ه/ 1935 م، من أجل أوقافها ( (2)).


1- مجالي اللُّطف بأرض الطَفِّ، الشيخ محمد السماوي، ص 42.
2- تاريخ كربلاء وحائر الحسين*، عبدالجواد الكليددار آل طعمة، ط 2، ص 190.

ص: 63

وهكذا لَعبت بها الأيدي فمَحتها، كما محت الصحن الصغير والمدارس الدينية، والآثار التاريخية المُحيطَة بصحن الحسين (ع)، قال الخطيب الشاعر الشيخ عبد الكريم النايف، المُتوفّى سنة 1365 ه، راثياً لمئذنة المذكورة:

مَنارةُ العبد بصَحن الحسين فيالها من أثرٍ قد أُزيل

اقتُلِعَت قلعاً وما رُوعيَت حُرمتها في الدين لا في الرَعيل

سادوا بها الأرض ودَكُّوا الأساس كي لا يرى الناظر فيها الجميل

حتى غَدَت ليس لآثارهامن خبرٍ ومالها من دليل

لو لم تعاني الظلم من قومهابمثلِ ما عانى الحسين القتيل

لكانت الأيَّام تزهو بهامفخرةً للدهر جيلًا فجيل

أكان في الشرق لها من نَظيرتصمد للدهر صمود النبيل

كانت مناراً للهُدى والنجاح في اللّيل والظهر وعند الأصيل

منارة المرجان قد سُمِّيَت مئذنة العبد فقالوا تَميل

وأيّ أمرٍ شائع في الورى بحكم مَن يحكمه لا يميل

مئذنة المرجان رمز الخلودكانت وما كان لها من مثيل

صَبَّت لها الأيّام من كأسهاخانها الدهر الخؤون الوبيل

قد اجتلاها البدر من أسّهاحتى أصاب القوم خطب جليل

وأرَّخ هدمها أيضاً بقوله:

منارة العبد بصحن الحسين بناؤها أرخ (انكشت يار)

ص: 64

وهدمها أعلن تاريخه ما جاء إلَّا لجأ الاضطرار

وأرَّخ هدمها أيضاً الشاعر الخطيب السيد علي بن الحسين الهاشمي بهذه الأبيات:

آل الجلائر عبدهم مرجان) مُذ ولي الإمارة

قد شاد في بغداد مسج-- ده لدى سوق التجارة

وبنى لدى صحن الحسين لحُبِّه أعلى منارةفكأنَّها رسخَتْ على

هامات أبناء الدعارة

أمرَ اللَّصيق بهَدمِهامُذ كان يرأس للوزاره

والناصبيُّ يظنّ أنْ قد أدرك المأفون ثارة

تالله أنّ بهَدمِهاللدين للتقوى خسارة

والعبد أرَّخ (ناحباًالحرُّ تكفيه الإشارة)

كما منَعَ ياسين الهاشمي مراسيم العزاء للإمام الحسين (ع) في شهر محرم الحرام، ولم يمض شهر واحد على إقامته في بيروت، حتى لقيَ حَتفَه كَمَداً، وذلك في سنة 1355 ه/ 1937 م، ودُفن بدمشق، فأنشدتْ مواكب العزاء، في أربعين الإمام الحسين (ع) في شهر صفر، هذه الأبيات الشعبية:

و (الهاشمي) ما دَار حُوْلَه ابهَا الشَهَرْو (حسيْن) طَكِّه اعلَى الظَهَرماتْ ابرِذَالَه وابقَهَرْ

ص: 65

مسجد الشهيد الأوَّل (الثاني)

يقع هذا المسجد في مَحلَّة آل فائز، المعروفة اليوم بباب السلالمة، في زقاق العكيسة، أسَّسه العالم الشهير الشيخ شمس الدين محمد بن مكِّي العاملي الشهيد سنة 786 هجرية، وهو من الأبنية القديمة. جاء في كتاب (مدينة الحسين (ع)): «هو الشيخ الأجلّ الأفقه أبو عبدالله محمد بن الشيخ جمال الملة مكي بن شمس الدين محمد العاملي، أجازه فخر المُحقِّقين في الحلَّة سنة 751 ه، زارَ كربلاء وتَتَلمَذ في مدرسة العميدي، وشيَّد له في كربلاء داراً ومسجداً، يُعرَفان إلى اليوم بدار ومسجد الشهيد، يقعان في محلَّة باب السلالمة» ( (1)).

وقيل أُسِّس تيمُّناً باسم الشيخ زين الدين بن نورالدين العاملي المنعوت بالشهيد الثاني المستشهد سنة 965 هوالمسجد هو اليوم من المساجد المعمورة بالعبادة، مُشيَّد بالطابوق (الآجر) والجصّ، وقد كُتبت على بابه الآية الكريمة: ( (رضى) (رضى) (رضى)


1- مدينة الحسين*، محمد حسن الكليددار آل طعمة، ج 2، ص 136.

ص: 66

(رضى) (رضى) (رضى) ...) ( (1)) وحَرَمُ المسجد مُستَطيل، طوله 10 متراً وعرضه 8 متراً، وأمامه محراب مُشيَّد بالطابوق والجص، على طراز المساجد القديمة، والمسجد خال من أيِّ نص كتابي ظاهر، يؤمُّه المُصلّون كل يوم لتأدية الصلاة اليومية. ( (2))

قد لا يعرف البعض بأنَّ هذا المسجد قد جُدِّد مِراراً ومرَّ بمراحل في تعميره، وآخرها كان في سنة 1420 ه، على يد المُحسِن الحاج حسن يوسف، ويقوم بخدمة هذا المسجد الشيخ فاضل المُختَار، وفي هذا المسجد مكتبة فيها أنواع الكُتب العلمية والفقهية والأدبية والدينية، وأَنشأ أهلُّ البِرِّ والإحسان سِقايةً ليشرب منها الصادر والوارد، وموقعها على يمين الداخل إلى المسجد.


1- التوبة: 17.
2- مساجد كربلاء وحسينياتها، سلمان هادي آل طعمة، مخطوط.

ص: 67

حَمَّام المالِح

يقع هذا الحمَّام في محلَّة باب الطاق، ويُعرَف أيضاً بحمَّام الإمام موسى بن جعفر (ع)، وهو من الموقوفات الأثريَّة التي يعود بناؤها إلى القرن العاشر الهجري ( (1)). حدَّثني المرحوم الشيخ عباس بن الشيخ محمد حسن أبو الحَبْ فقال: إنَّ السيد علي الأحمد آل نصرالله كان يضمن حمَّام المالح، وكنت استحمُّ فيه، ولَدى خروجي أدفع 3 (بيزات)، أي ما يُعادِل اليوم (6 فلوس)، وهي أُجور الغسل، كان ذلك في سنة 1326 ه/ 1908 م، أمَّا اليوم، فقد هُدم وأُحيل البناء إلى أنقاض، وأُقيم على أنقاضه فندق كبير، ومسجد كُسِيَت جدرانه بالكاشي الكربلائي الأزرق البديع، وأُحيط من جميع جوانبه بسلسلة من الآيات القرآنية، وقد بدأ العمل به سنة 1423 ه/ 2003 م، كما خرج منه عشرون حانوتاً، وقد قام بتشييده عيسى هاشم عاريه الربيعي.


1- مدينة الحسين*، محمد حسن الكليددار آل طعمة، ج 1، ص 26.

ص: 68

حمَّام كبيس

يحسن بنا أن نبيِّن أنَّ هذا الحمَّام هو بناء أثريٌّ يقع في محلَّة باب الطاق، يعود تاريخه إلى القرن العاشر الهجري، حيث ينفرد بفخامته وهندسته الرائعة وطراز عمرانه، فهو واسع الأرجاء، رصين البناء، مُتعدِّد الأجزاء والمرافق.

عرف ب- (كبيس) نسبة إلى عشيرة الكبيسات التي قَطَنَت هذا القطاع من المحلَّة المذكورة، وقد هاجرت من مدينة (كبيسة) التابعة للواء الدليم، أمَّا الواقِف لهذا الحمّام، فهو الخواجه عيسى ابن المرحوم محمد اللافيهي، والموقوف عليه يحيى جلبي، في ربيع الأوّل سنة 989 ه ( (1)).

كان هذا الحمّام بيد الورثة من ذُريَّة السادة آل الوهاب، والسادة آل الجلوخان، وإلى جوار الحمّام، من الجهة اليُمنى، يقع حمَّام النساء، ومن الجهة اليسرى، تقع الطمَّة العائدة له. أمَّا اليوم، فقد آلَ البناءُ إلى الانهدام، وأُحيل إلى أنقاض، وشُيِّدت على أنقاضه دور حديثة.


1- البيوتات العلويَّة في كربلاء، السيد إبراهيم شمس الدين القزويني، ج 1، ص 31.

ص: 69

القَنْطَرَة البَيضاء

تقع هذه القَنطرة على نهر الحُسينية المُتفرِّع من الفرات، الذي يسقي ناحية الحُسينية وبساتينها في شمال المدينة وشمالها الشرقي، وقد أُنشئت في القرن العاشر الهجري ( (1))، وتبعد القنطرة بمقدار ثلاثة أميال عن مركز المدينة، وهي من مُنشَآت الصَفَويِّين.

ولا يخفى على القارئ أنَّ هذه القنطرة نصبٌ معماري ذو قيمة تاريخية وثقافية وعسكرية مُتميِّزة، وتمتاز بمنائرها وشكلها التُراثي المُثير للإعجاب. كان الزوار الإيرانيّون يحلّون عندها ويُسلِّمون على الإمام، ويرتاحون من وَعْثَاء السفر، حيث كانت البساتين هناك موقوفة لهم، ومن ثَمَّ يواصلون السير إلى داخل المدينة. وقد ذكرها الرَحَّالة أديب المُلك في رحلته إلى العتبات المقدَّسة في العراق ((2) ).

وممَّا يزيد من أهميِّة هذه القنطرة أَنَّها شهدت جملة من المعارك العسكرية، منها: أَنَّ حادثة المناخور الشهيرة التي وقعت، سنة 1241 ه/ 1825 م، قد بدأت في الوقعة الأُولى من هذه القنطرة؛


1- كربلاء وتاريخ عمرانها، د. عبدالجواد الكليددار آل طعمة، ص 29، مخطوط.
2- سفرنامه أديب الملك به عتبات، عبد العلي أديب الملك، فارسي، ص 143.

ص: 70

حيث انَّ العسكر التركي قد هجم على البلد في واقعة القنطرة، فخرج إليهم الكربلائيّون، ودامَ القتال من الصباح حتى الظهر، وقُتل من العسكر ثمانية عشر فرداً وأربعة أفراس، ومن أهل البلد ثلاثة وأُسِر شخصان. ( (1)) ومنها: ما وقع بين قبيلة المسعود وأنصار الشيخ فخري كمونة، في حادثة حمزة بك، سنة 1333 ه/ 1914 م، حيث تحصَّن الأهالي مع الشيخ فخري كمونة بالتلال المحيطة بالقنطرة البيضاء، فدارت المعارك هناك ( (2)). ولعلَّ من الضروري أنْ نُشير إلى أنَّ البطل محمد الحمزة ( (3)) السلامي دُفن في قبرٍ تحت هذه القنطرة، وذلك أبّان واقعة المناخور التي حدثت سنة 1241 ه/ 1825 م.

وجاء في كتاب (شعراء الغَرِي): أنَّ الشاعر النجفي الشيخ حسين الدجيلي اغتالته المَنيَّة بين المُسيّب وكربلاء، في الطريق عند القنطرة البيضاء، على بُعد ثلاثة أميال من كربلاء، فحمل جثمانه ولده إلى النجف، ودُفن في الصحن الحيدري عام 1305 ه ((4) )

، وممَّا


1- نزهة الإخوان في واقعة بلد المقتول العطشان، مؤلِّف مجهول، مخطوط، ص 50 نسخته في مكتبة المرحوم السيد عبدالرزاق الوهاب آل طعمة.
2- كربلاء في التاريخ، للسيد عبدالرزاق الوهاب آل طعمة، مخطوط.
3- محمد الحمزة؛ رئيس عشيرة السلالمة. جاء في كتاب (كاشف الإعجاز) المخطوط بالفارسية ما ترجمته: محمد الحمزة كان من أبطال واقعة المناخور، وكان مُجدَّر الوجه، قصير القامة، حافي القدمين، شديد الغضب صلباً جلداً في الحروب، أبلى بلاءً حسناً فيها، وقاد عدَّة جموع في ميادين القتال.
4- شعراء الغري، علي الخاقاني، ج 3، ص 185.

ص: 71

يجدر ذكره أنَّ القنطرة قد بُنيَت بالجصِّ والطابوق مع النورة، التي تعطيها صلابة تقاوم عوامل التَعْرية والتآكل، ويُذكَر أنَّ الهيئة العامة للآثار والتراث تباشر اليوم بأعمال صيانة وحماية هذا المبنى الأثري، وأخذت المنطقة بالتوسُّع والنمو، حتى غَدَتْ قرية مأهولة بالسكّان، تزدان ببساتينها النَضِرَة التي تزهو بخضرتها وظلالها، يتفيَّأ بفَيئها السابلة وروّاد البساتين.

وقد كتب عدنان داخل الشمري عن هذه القنطرة قائلًا:

إنَّ زمن بناء هذه القنطرة يرجع إلى القرن الثالث عشر الهجري، وهي تقع على نهر الحسينية الذي كان يُسمَّى ب- (السليماني)، وهذا النهر أمر بإنشائه السلطان سليمان القانوني؛ الأمر الذي جعل كربلاء تعيد نشاطها الزراعي والاجتماعي. وقد أمر المدعو جديد حسن باشا ببناء القناطر، فكان الاهتمام أوّلًا بهذه القنطرة؛ لوجود أثر مقدَّس حينها، وهو مكان صلاة الإمام علي (ع) عندما مرَّ بكربلاء سنة 37 هجرية، أثناء توجُّهه إلى صِفِّين، عن طريق كربلاء ثُمَّ عين التمر ثُمَّ الأنبار، ثُمَّ غادر إلى الشام حيث منطقة صِفِّين. وقد روى هذه الرواية شيخان من علماء المسلمين، وهما الشيخ مؤمن الشبلنجي الشافعي، صاحب كتاب نور الأبصار- وروى الشيخ عبدالعزيز الجنابذي- فى معالم العترة الطاهرة، مسلسلًا عن الأصبغ بن نُباتة عن الإمام علي (ع) وقال- يعني الأصبغ بن نباتة-: أتينا مع علي (ع) في سفره فمررنا بأرض كربلاء، فقال علي (ع): هذا مُناخ

ص: 72

ركابهم وموضع رحالهم ومهراق دمائهم، فئة من أُمَّة محمد يُقتَلون في هذه العَرَصَة، والآخر هو الشيخ المفيد/، وهو من أعلام القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجري، في كتابه الإرشاد، قال: روى عثمان بن عيسى العمري، عن جابر بن الحرّ عن جورية بن مسهر العبدي، قال: لمّا توجَّهنا مع أميرالمؤمنين علي (ع) إلى صِفِّين فبلغنا طفوف كربلاء، وقف في ناحيةٍ من المُعسكَر ثُمَّ نظر يميناً وشمالًا واستعبر، ثُمَّ قال: هذا والله مناخ ركابهم وموضع منيَّتهم، فقِيل: يا أميرالمؤمنين، ما هو الموقع؟

قال: هو كربلاء، يُقتَل فيه قوم يدخلون الجنَّة بغير حساب، ثُمَّ سار بعد إحدى الصلوات. انتهى. والحديثان مُتَّفقان.

وقد صلَّى في هذا المكان جمع مُتفرِّق الزمن من العلماء، كالمحقِّق الحلّي، من أعلام القرن السابع الهجري، والشيخ يوسف البحراني من أعلام القرن الثاني عشر، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، ومن المعاصرين صلَّى العالم الجليل حُجَّةالإسلام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، وقد صلَّى على هذا الموضع العالم الجليل حُجَّة الإسلام المرحوم السيد أبوالحسن الإصفهاني، وشهد بذلك شخصيات من أهالي المنطقة.

ومن جانب آخر، من المعلوم أنَّ طريق كربلاء المائي يكون من خلال نهر الحسينية، حيث كانت السفن الصغيرة تنقل الأشخاص والبضائع التجارية كالحبوب وغيرها، ولدى مرورها بتلك القنطرة

ص: 73

يتمّ دفع مبلغ العبور إلى البوّاب الذي تمَّ تعيينه من قِبل الحكومة التركية آنذاك. ومن البوَّابين الذين تمَّت معرفة أسمائهم (المرحوم جاسم الكهية، والمرحوم الحاج عون الشمّري)، وبعد مرور البضائع الزراعية وغيرها ترسو في منطقة باب بغداد، قُرب القنطرة الثانية المُسمَّاة بالحدباء، التي هُدمَت في عام 1379 ه/ 1960 م من قِبل مجهولين، علماً بأنَّ موقعها معلوم ومُثَبَّت لدى دائرة الرَي. ((1) )

وعن أعمال الصيانة للقنطرة البيضاء كتب جاسم الكلابي قائلًا: شهدت المِلاكات الهندسية والآثارية في الهيئة العامَّة للآثار والتراث أعمالها الخاصّة بصيانة القنطرة البيضاء، الواقعة في ناحية الحسينية. أعلن ذلك حسين ياسر خليل، رئيس لجنة الصيانة في دائرة آثار كربلاء المقدّسة، وأضاف إنَّ الهيئة العامة للآثار والتراث قامت بتشكيل لُجنَة فنّية من المهندسين والخُبراء الآثاريِّين المُختصّين بأعمال الصيانة، في عام 1426 ه/ 2006 م، وشمل العمل تنظيف وإزالة الأجزاء المُتهرِّئة من جسم القنطرة، بعد تساقط أجزاء كبيرة منها، وإظهار أُسُس القنطرة لبيان أسباب الانهيار، وبعد إكمال المرحلة الأُولى، تمَّ البدء بالمرحلة الثانية، وذاك بتقوية الأُسس والجدران الساندة للقنطرة؛ باستخدام نفس مواد البناء السابقة، والمُتمثِّلة بالطابوق الفرشي ذي القياسات الخاصة


1- مقال القنطرة البيضاء، بقلم: عدنان داخل الشمري، صحيفة كربلاء اليوم، ع 139، الأسبوع الخامس من شهر تموز 2008، ص 12.

ص: 74

25 (ع) 25 سنتمتراً، واستخدام الجص الفني، وبيَّن أنَّ المديرية قد أكملت جميع أجزاء القنطرة عام 1427 ه/ 2007 م، حيث تمَّ إعادة بناء المنارتين المنهارتين، وبنفس قياسات المنارات الموجودة، وتمَّ العمل بنفس القياسات وبنفس المواد.

وتُعتَبر هذه القنطرة إحدى المعالم التاريخية في محافظة كربلاء المقدّسة؛ كونها من المباني الفريدة في العراق، وبلغت القيمة الأصلية لهذا المشروع 75 مليون دينار.

وتاريخ القنطرة البيضاء يعود إلى فترة بناء الخانات التُراثية التي شُيِّدت لغرض خدمة زوار العتبات المقدسة في العراق، وبُنيت لغرض عبور الزوار والمسافرين، وتقع هذه القنطرة على نهر الحُسينية، وهو النهر الوحيد الذي يُغذِّي أراضي كربلاء، وتقع على بُعد 5 كيلومتراً عن مركز المدينة، وتحيط بها بساتين النخيل، ممّا يُشجِّع على استغلالها كموقع سياحي؛ لجمالية المنطقة وقُربها من مركز المحافظة. ( (1))


1- جريدة كربلاء اليوم، ع 112، الأسبوع الثاني من كانون الثاني 2008 م، ص 12.

ص: 75

رُخامَة في المُخيَّم الحسيني

من الآثار التاريخية التي تُزيِّن المُخيَّم الحسيني رُخامَة مستطيلة الشكل (2 (ع) 1) مترمربع، ذات نقوش إسلامية رائعة، كُتب عليها بخط الثُلث الآية الكريمة: ( (رضى) (رضى) (رضى) (رضى) (رضى) (رضى) (رضى) (رضى)) ((1) ).

وفي أسفل الرخامة كُتب ما نصّه: (محرم الحرام 996 ه). وهي مبنيَّة في الجدار الإمامي لمقام خيمة الحسين (ع)، التي تتوسَّط بناء المخيَّم، وقد وُضعت على هيئة محراب للصلاة.


1- سورة آل عمران: آية 33.

ص: 76

تكيَة البكتاشيّة

تقع في الجانب الجنوبي من صحن الحسين (ع)، لها موقع حسن ومنظر جميل، والمبنى ملاصق للسور الخارجي من الصحن، على يمين الداخل من باب القِبلة، ولو أمعنّا النظر في هذه البناية الأثريَّة، لأمكننا القول بأنَّها تتجلَّى فيها الروعة من حيث التخطيط ودقَّة الزخارف الآجرية، وتتميَّز بالأصالة، كما يحوي سلسلة العقود المتوازية بنقوش كتابية تشكِّل سطوراً تُزيِّن جدرانه، وهي مقرٌّ يختلي فيه الصوفية لعبادة الله.

جاء في كتاب تاريخ العراق بين احتلالين: «في كربلاء من تكايا البكتاشية في صحن الإمام الحسين (ع) تكية الددوات، وهي تكية البكتاشية، وتوليتها بيد آل الددة لا تزال موجودة، وكانت بيد السيد الفاضل المرحوم حسين الدده مدَّة طويلة، إلى أن توفّي في صيف سنة 1367 ه/ 1948 م في خراسان في المشهد الرضوي، ويرجع عهدها إلى أوّل الفتح العُثماني، وأنَّ من مشاهيرها (كلامي) المعروف جهان دده، وأنَ فضولي الشاعر ممَّن دُفن فيها، وهناك مراقد آل الدده، والتولية منحصرة فيهم، وهم شيعة إمامية ولا تُعرَف عنهم البكتاشية ولااعتناق طريقتها، فهم أُصوليَّة، وهذه

ص: 77

التكية من أقدم تكايا البكتاشية الترك فى العراق، و لم ينقطع اتصالها بالتكية البكتاشية الرئيسية في تركيا إلّا بعد الحرب العالمية الأولى لسنة 1332 ه/ 1914 م» ( (1)).

وكان الباشَوَات يرتادونها من اسطنبول ويرتدون القُلنسوة ( (2)).

وجاء في كتاب (مدينة الحسين (ع)) قوله: «في منتصف القرن العاشر الهجري، هاجر من قرية (فيرشير) التركية إلى كربلاء الزعيم الديني لهذه الطريقة (البكتاشية)، المدعو عبدالمؤمن دده، من أحفاد السيد محمد الموسوي المذكور، وجاور قبر جدّه الحسين (ع) عند باب قِبلة صحن الروضة الحسينية إلى أن تُوفّي، ودُفن في المحل المذكور الذي يُعرَف اليوم بقبر مؤمن دده، ثُمَّ اتَّسعت شؤون هذه الطريقة في كربلاء، فهاجرت أقوام ممَّن يعتنقونها إليها لزيارة قبر عبدالمؤمن، وأُسِّس لهم فيها (تكية)، ولاتزال تُعرَف حتى اليوم بتكية البكتاشية، وتقع أمام قبر عبدالمؤمن دده، وقد مات هذا ولم يعقّب ذُريَّة، وكان الرئيس الأعلى للطريقة البكتاشية، في تركيا، هو الذي يُعيِّن من يتولَّى شؤون (التكيات)، التي ينشر فيها طريقته ويدير شؤونها، وكان هذا المُتولِّي يلقَّب ب- (بابا)؛ عملًا بتقاليدهم الدينية». ( (3))


1- عباس العزاوي، تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص 152- 153.
2- القَلنسُوة والقُلنسِية، وإذا فتحت القاف ضُمّت السين، وإن ضممت القاف كُسرت السين وقُلبت الواو ياءً، شي ء من ملابس الرأس معروف، أنظر:أقرب الموارد، ج 3، ص 1035.
3- محمد حسن الكليددار آل طعمة، مدينة الحسين، ج 1، ص 72- 73.

ص: 78

تعلو البناية قُبَّة مبنيَّة بالآجر والجص، وأُحيط بها من الداخل كتيبة مزيّنة بالقاشاني القديم، وكتبت عليها آيات قرآنية، ويتوسَّط المبنى عمود من المَرمَر النفيس، وهناك محراب مكسوّ بالقاشاني، وقد عُلّقت في الوسط كشاكيل وتمساح وحوت مُحنَّط، كما عُلِّق على الحائط طبر وعظام حيوانات نادرة.

وذكرها ناصرالدين شاه في رحلته فقال ما تعريبه: «وشاهدت جنب (السقاخانة) تكية (البكتاشية)، لها بهوٌ كبير وواسع، وكانت راقية وعالية ونظيفة جداً، وفيها مجموعة من الدراويش، وأحدهم كان رئيساً عليهم، ويُسمّون أنفسهم (دده)، ويرجع نسب هذه السلسلة والطائفة إلى سلمان الفارسي، وهم من السُنَّة المتصوّفة، وسألت عن سلوكهم وعقائدهم، فلم أفهم منهم شيئاً واضحاً، إلّا أنَّهم كسائر الصوفية، يعيشون بلا قيد أو شرط، مُتنعّمين بسلام وراحة بال» ((1) ).

ولابدّ أن نشير هنا إلى أمر يجب التنويه عليه، و هو زيارة الزعماء والمشراء والباشوات لهذه التكية، كما يؤكّد ذلك صاحب كتاب (تسخير كربلاء) أو (واقعة الوالي محمد نجيب باشا) عام 1258 ه/ 1842 م، حيث قال: «وبعد أن طاف بالصحن وأدَّى واجب الزيارة بأدب واحتشام، توجَّه إلى تكية السيد محمد تقي الدده،

______________________________

(1)


1- سفر نامه عتبات ناصر الدين شاه قاجار فارسي، إيرج أفشار، ص 115- 129.

ص: 79

ومعه الملّا علي الخصي، والشيخ وادي الشفلج رئيس الزبيد، وغيرهما ...» ( (1)).

وقد استأثرت هذه التكية منذ تأسيسها باهتمام الباحثين والمؤرّخين والبُلدانيِّين، كما ورد ذكرها في الوثائق والكتب الرسمية، وفي سِجلّات الأوقاف وفي مصادر أخرى مختلفة، كالوقفيّات القديمة والحجج الشرعية والإعلامات، التي تحتفظ بها بعض الأُسَر الكربلائية. وبسبب التغييرات الشاملة التي شملت الصحن الحسيني، والتوسّعات وأعمال التجديد في جوانب الصحن، فقد اختفت معالم هذه التكية، واستُغلَّت غرفها لخدمات الروضة المقدّسة، بعد أن كانت مل ء الأسماع والأبصار، ومحطّ أنظار الناس.

______________________________

(1)


1- تسخير كربلاء، عبد الرزاق الحسني، ص 38.

ص: 80

خَانُ البَاشَا

خان كبير يقع بالقرب من باب قبلة الحسين (ع)، بجوار موقوفات السادة آل النقيب، وعن تاريخ تأسيسه وتفاصيل بنائه، حدَّثنا فضيلة الشيخ محمد علي اليعقوبي، وهذا نصّ قوله: «... وهو واسع المساحة فسيح الأرجاء، وفي وسطه آثار بئر قد اندرست معالمها، وفي جهاته الأربع بقايا غرف ومساكن قديمة البناء، خاوية الجدران والسقوف، ممّا يؤكِّد أنَّها من مباني القرن الثاني عشر الهجري، وفي مواسم الزيارات يأوي إليها الغرباء والضعفاء من الزائرين، وفي زواياه مخازن وكيزان خَزفيَّة، يدَّخر السَقَّاؤون فيها الماء صيفاً وشتاءً، وتُدفَع عن ذلك أجور يتقاضاها مَن يستأجر الخان المذكور من مديرية الأوقاف، بعد ما وضعت يدها عليه وجعلته من الموقوفات على الجامع الحميدي في كربلاء.

وليس فيه كتابة تصرّح لنا باسم بانيه وتاريخ إنشائه، والذي استفدناه من تَتَبُّع الآثار القديمة والمجاميع المخطوطة. أنَّ باني هذا الخان هو والي بغداد حسن باشا. يستفاد من أقوال المؤرّخين انَّ الوالي حسن باشا، الذي لُقّب بخادم الحرمين سنة 1121 ه، وهو الذي بنى خاناً للزوّار وفيه بئر يُستقى منها، يوم كانت كربلاء

ص: 81

تقاسي الظمأ لانقطاع مجاري نهر الحسينية عنها، ممَّا يكاد لا ينطبق على غير هذا الخان» ( (1)).

كان يحوي هذا الخان مجموعة من الحِرفيِّين، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: المقهى التي كانت في مدخل الخان، وهي مركز تجمع السَقّائين ومواعيدهم، ويرتادها بعض خدمة الروضة الحسينية وأصحاب الأعمال الحرَّة. يقول هادي الشَربَتي: «وغُرف الخان محلّات لحفظ الأمتعة والقِرب والجدار ولوازم أخرى، من براذع وألجِمَة، وسلاسل للحمير التي تنقل الماء، وسراديبه اصطبلات للحيوانات، أو مستودعات للماء البارد، الذي يُحفَظ في (أحباب) قاشانيه كبيرة مدفونة في الأرض» ( (2)). وكان هؤلاء السَقّاؤون يجهّزون المحلّات والبيوت بالماء، لقاء أجور يتقاضونها شهرياً أو أسبوعياً، وهناك حِرفيّون آخرون تنتشر حوانيتهم في الخان المذكور، منها: معمل للكاشي، أحْبَابٌ للطرشي، طَولَة خَيْل، أبوكفاية، معمل الصَهْر (الشبه، تنظيف التيزاب والنحاس)، معمل للحلويّات، محل لبيع الخضروات، بائع المخلّلات، معمل لتصليح البنادق والأسلحة (أسلحة الصيد)، مسافر خانة (غُرف لإيواء الزوار من أهالي شفاثا).


1- جريدة القدوة الكربلائية، ع 44، 13 ذوالحجة 1373 ه، 24/ 8/ 1953 م.
2- السقّاؤون في كربلاء في عصرهم الذهبي، هادي الشربتي، مجلة التراث الشعبي، ج 1، س 3 حزيران 1966 م، ص 43.

ص: 82

وللسَقّائين موكب عزاء خاص، هو أُمسيات العشرة الثانية من شهر محرم الحرام، حيث كان ينطلق من هذا الخان، ويبدأ مسيرته نحو صحن الحسين (ع) فصحن العباس (ع)، ويعود إلى الخان المذكور. وعندما هُدم هذا الخان، أُنشئت على أنقاضه حسينية فخمة تُدعى حسينية الطهرانية، وعُرفت فيما بعد ب- حسينية الحيدرية، أُقيمت فيها مراسيم المهرجان العالمي لميلاد أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع)، في الأعوام 1378- 1386 ه/ 1959- 1967 م، أمّا اليوم، فقد هُدمت هذه الحسينية وشُيِّدت على أنقاضها قاعة، ودورات للمياه، وحوانيت للبيع والشراء.

ولا يملك الإنسان أمام هذا التغيير إلّا أن يتساءل: ترى كيف حدث هذا؟! في حين أنَّها كانت حسينية ضخمة لا مثيل لها! ..

ص: 83

سوقُ مِدَكَ الطَبل

يروي المُعمّرون عن آبائهم أنَّ سوق البزّازين سوق العرب، قبل حوالي قرنَين من الزمن، كان يُسمَّى سوق مدَكَ الطَبُل ( (1))، أي في سنة (1278 ه/ 1764 م) كان سوقاً للصفّارين، وفيه تُباع القدور والأواني النحاسية، ذات الطابع التراثي الأصيل الذي يسترعي انتباه الزوار.

أمّا اليوم، فقد مرّ على إنشائه قرنان ونصف القرن، وقد عُرف فيما بعد بسوق العرب، وردتْ الإشارة إليه في وقفيَّته، مُؤرِّخة لبعض الحوانيت التي أوقفها علي الحَرْدَان، والموقوف عليه السيد محمد بن السيد حمزة الأشيقر، سنة 1251 ه، كما جاء في الحجّة الشرعية المحفوظة لدى أُسرة السادة آل الأشيقر.

وفي جريدة الرقيب البغدادية وصف لهذا السوق، وهذا نصّه: «وكانت هناك جادَّة تبتدئ من باب الحضرة الحسينية، المُسمّاة بباب قاضي الحاجات، وتنتهي بجادَّة الميدان المعروفة بسوق العرب، فقد تمَّ توسيعها أيضاً إلى 4 أمتار، بعد أن كان يتراوح


1- مجلة التراث الشعبي، ع 1 س 2 تشرين الثاني 1964 م، ص 15، مقال للسيد عزي الوهاب آل طعمة.

ص: 84

عرضها بين المترين والثلاثة، وكل ذلك قد رُفع سقفه بصورة تُبهج الناظرين، إذ كان واطئ السقف بصورة يكاد يمسكه المارُّ بيده» ((1) ).

أمّا مظهر السوق اليوم، فهو عبارة عن حوانيت متراصَّة، الواحدة جنب الأُخرى، وقد اختصَّت كلها ببيع الأقمشة.


1- جريدة الرقيب، ع 145 رجب 1328 ه.

ص: 85

طاقُ الداماد

يقع على بعد 80 متراً عن الروضة الحسينية، من جهة باب الصحن الصغير (باب السوق)، شيَّده العالم الجليل السيد صالح الداماد، أحد رجالات كربلاء في واقعة نجيب باشا سنة 1258 ه/ 1842 م. أمّا مواد البناء المستعملة فيه، فهي الطابوق والجص والنورة. وكانت الدار الملاصقة للطاق عائدة أيضاً للسيد صالح بن السيد حسن الداماد، المعروف ب- (عرب) ( (1))، المتوفّى سنة 1303 ه، ثُمَّ انتقلت بالتناوب إلى حفيده السيد حسن الداماد، أحد وجوه كربلاء، المتوفّى سنة 1375 ه/ 1956 م، وفي عهد هذا الأخير بيعت الدار إلى العالم الجليل الميرزا موسى الأسكوئي الحائري، حيث حوّلها إلى حسينية.

طرأت على الطاق بعض الإصلاحات في فترات متفاوتة، أمّا الأمر البارز في هذا الطاق، فهو وجود عدد من الحوانيت


1- السيد صالح، عالم جليل القدر، له شهرة واسعة وصِيت حسن، توفّي في ليلة الجمعة 2 ربيع الثاني، سنة 1303 ه، ودُفن في الرواق الحسيني الشريف، أنظر ترجمته في كتابنا (تراث كربلاء)، ط 2، ص 283 و 284 و 285.

ص: 86

تحته، بحيث جعلت منه مركزاً تجارياً مهمّاً، وتتقاطع مع بدايات سوق الحسين (ع)، الذي تتوزَّع فيه القيساريات والمحلّات التجارية، وقد هُدم الطاق المذكور مع السوق أيضاً سنة 1411 ه/ 1991 م.

ص: 87

طاقُ الزَعفَراني

مَعْلَم شاخص يعدُّ من العلامات الدالَّة في محلَّة باب الطاق، لم يُعرَف تاريخ تشييد هذا الطاق على وجه الدقّة. أمّا تسميته باسم الزعفراني، فهو نسبة إلى ساكنه السيد إبراهيم الزعفراني، وهو أحد رجالات كربلاء في واقعة نجيب باشا، التي حدثت سنة 1258 ه/ 1842 م يقع على بُعد 180 متراً من باب السلطانية لصحن الحسين (ع)، وبالقرب من ديوان وأملاك السادة آل ثابت. يبلغ طوله 20 متراً، وارتفاعه 3 أمتار، وهو مبني بالطابوق الفرشي والجص.

لقد طرأ على طاق الزعفراني تغييرات وإصلاحات عديدة، حيث هُدم البناء سنة 1423 ه/ 2003 م، وجُدّد في سنة 1425 ه/ 2005 م من قِبل ساكني الدار المجاورة له، وهذه الدار التي تضمّ الطاق كانت تعرف ببيت القوام؛ وذلك لسكن شخص فيها يُعرَف باسم السيد قوام، كما تحكيه الوثائق والحجج الشرعية الخاصة بالقرن الثالث عشر الهجري.

وهكذا بقي الطاق شاهداً لمن بقي، أمّا اليوم، فتعود ملكية الدار والطاق للسيِّدَين علي وعباس، نجلَي المرحوم السيد حسين السيد عبدالغفور آل طعمة، وقد رُمِّم الطاق على نفقتهما.

ص: 88

خان العطيشي

بناء شامخ يعدُّ من المعالم الأثرية الدالّة في منطقة (العطيشي)، وهو من الآثار الخيرية الباقية في طريق الحسين (ع) من بغداد لكربلاء، وهو آخر الخانات، وفيه تدخل إلى كربلاء، وكان مُعرَساً للزائرين ومقرّاً للمسافرين. قيل إنَّ المرحوم الحاج مصطفى كُبَّه هو الذي عمَّره، لكنَّنا لم نقف على أثرٍ يعين أنَّه من بناء مصطفى كُبّه. شُيّد هذا الخان ليكون حدوداً للبلدية الإدارية لكربلاء، ونقطة استراحة وحراسة في الطريق السالك لبغداد، ويبعد عن مركز كربلاء مسافة أربعة فراسخ، بينها بساتين.

وفي كتاب عامان في الفرات الأوسط: «ناحية الحُسينيّة؛ مركزها خان العطيشي، وقد نقل موظّف الناحية الإداري إلى مركز كربلاء أخيراً، والخان مرجع المزارعين من العشائر، وهو في طريق كربلاء المُسَيَّب» ( (1)). وجاء في كتاب (دليل المملكة العراقية لسنة 1353- 1354 ه/ 1935- 1936 م): «ناحية الحُسينية؛ ومركزها خان العطيشي، (بالتصغير)، الواقع في منتصف طريق كربلاء- المُسَيَّب،


1- عبد الجبار فارس، عامان في الفرات الأوسط، ص 7.

ص: 89

وهو مرجع العشائر والمزارعين في الناحية المذكورة، فليس حوله بنايات أو عمارات تستحق الإفراد بالذكر» ( (1)).

خان العطيشي في بلدة العطيشي، وهي قرية كبيرة، ويمكننا أن نعدّها بلدة، وتقع على أحد فروع نهر نينوى نار ملخا، كما تمثّل رستاقاً وتحيط بهذا الرستاق عدّة قُرى قديمة.

وقد كانت في فترة تاريخية تمثّل مركز طسوج بار وسما، ولكن أثناء التقسيم الساساني الإداري للعراق، دُمج الطسوج بطسوج نهر الملك، وتحوَّل هذا الطسوج من الناحية الإدارية إلى رستاق تابع إلى طسوج نهر الملك، وبهذا الاندماج انخفضت مرتبة هذه البلدة إلى مرتبة أدنى، بالنسبة إلى مراتب المُدن.

وتمتد أكثر القرى شمال هذه البلدة، وبشكل يكاد أن يكون مستقيماً، كما تقترب إلى نهر كري سعده جيحون، حيث لا تبعد عنه إلّا قليلًا.

إنَّ هذه البلدة الكبيرة رُقِّمت من قِبل دائرة الآثار والتراث، وإنَّ اسمها هو الاسم الأثري لبانيها، المُسمَّى عطيش بن شبرم بن شباب، على أنقاض قرية بار وسما الأقدم من هذه التسمية، وتتكوَّن من عدد من التلال الأثرية، وقد سجّلت من قِبل دائرة الآثار والتراث، وهي تجاور إعدادية زراعة كربلاء، كما تقع ضمن


1- دليل المملكة العراقية لسنة 1935- 1936 م، ص 949.

ص: 90

مركز ناحية الحُسينية، مقابل مركز الشرطة، ويقابلها حيٌّ كبير سَكَني ضمن مركز هذه الناحية.

ويتَّضح من القرى التي تبعد عنها، أنَّها من الرساتيق القديمة جداً، وتقع في قلب مراكز القُرى في القسم الشمالي من كربلاء، وتُعدّ تابعة إلى طسوج نهر الملك، وتُمثِّل الزاوية الجنوبية الغربية لهذا الطسوج، بعد أن انضمَّت إليه بار وسما، وقد أوضحتُ أنَّ باروسما هي رستاق وليست طسوج، وأنَّ آثار العطيشي تُمثِّل مدينة ساسانية قديمة.

وخان العطيشي له شكل مربَّع وساحة تتوسَّط الإيوانات المقوَّسة، وفي الساحة بئر ماء يشرب منها المسافرون، جدرانه سميكة تزيد على خمسة أمتار، وفي كل رُكن من أركانه الأربعة قاعات دائرية، وله بابان .. الباب الأوَّل باتّجاه الشرق، حيث مدخل المدينة من اتجاه الحلّة، والباب الثاني باتجاه الشمال، حيث مدخل المدينة من بغداد. و لا أثر للأبواب التي يقول عنها كبار السن إنَّها أثريَّة، صُنعت من الخشب المقاوم للماء والريح والشمس ... أمّا الغرف، فهي تمتد على الجانبين، ويوحي بناؤها بأنَّه بناء بغدادي قديم، وله ساحة مستطيلة الشكل تتوسَّط الغرف المربَّعة بمساحة 6 (ع) 6 متراً مربعاً، إضافة إلى احتواء الخان على إسطبل لتربية الخيول، أو لمَنام خيول الجندرمة.

ص: 91

ويقول السيد ماجد جياد الخُزاعي، مدير هيئة السياحة في كربلاء: إنَّ الخان شُيِّد في القرن السابع عشر، ليكون حدود البلدية العثمانية الإدارية لمدينة كربلاء ... وهو يقع بين قصر الموقدة الأثري والكوفة، ويبعد بمسافة 30 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من كربلاء.

وممّا ينبغي أن يشار إليه، أنَّ هذا الخان كان يديره عريف، وهو أعلى سلطة إدارية تنفيذية من الناحية الأمنية، كما أنَّه يحكم المنطقة ليلًا، وله أتباع من الجندرمة، وقد ظلَّ هذا الخان محافظاً على شعبيَّته، فقد كان يؤمّه المسافرون، بينهم عدد من الشخصيات والرحّالة الذين ذكروه في رحلاتهم، ولا يخلو هذا الخان من غُرف للنوم، وغرفة للحرس، وهي ممتدَّة على الجانبين، وتتوسّط الغرف ساحة مستطيلة، أمّا الغرف فمساحتها 36 متراً مربعاً، كما أنَّ الخان يحوي إسطبلًا للخيل. وممّا يجدر التنبيه إليه- أيضاً-، أنَّ هذا البناء الكبير يخلو من أيّة كتابة تذكارية أو زخرفة، قد تساعد الباحث في تعيين تاريخ إنشائه، وقد عمل في بناء الخان عمّال يُقدَّر عددهم بالمائة. ( (1))

واللافت للنظر هنا أنَّ هذا البناء الأثري يُعبِّر عن أناس عاشوا وجسَّدوا تلك المرحلة من العهد العثماني، ومن المعلوم أنَّ حادثة


1- جريدة المدى، ع 60، الثلاثاء 24 شباط 2004 م، ص 7.

ص: 92

حدثت في سنة 1359 ه/ 1941 م، وهو العام الذي حدثت فيه الانتفاضة إبّان الاحتلال الإنكليزي، حيث أمدَّتنا المعلومات التاريخية بأنَّ الطائرات قامت بقصف مدينة كربلاء، وسقطت إحدى الطائرات بالقُرب من الخان المذكور، ويروي شاهد عيان أنَّ العسكري المسؤول عن منطقة الخان، و هو (مزاحم تومان الخفاجي) قد قام بقتل ضابط إنكليزي وأسرِ آخر، وهما طاقم الطائرة ((1) ).

وقد أُطلق على هذا الخان اسم خان النار، كما جاء في سفرنامه سيف الدولة، حيث قال: «هناك خان بالقرب من خان المرحوم ركن الدولة، يُسمَّى خان عطيشي، واليوم من كثرة الاستعمال يُعرَف ب- (خان النار)، ومن الجانب الآخر من نهر الحُسينية تقع البساتين» ( (2)).

ومهما يكن من أمر، فإنَّ خان العطيشي كان مسرحاً لمعسكر جيش داود باشا في واقعة المناخور سنة 1241 ه، حيث كان الجيش قد انسحب من كربلاء نتيجة العفو الذي أصدره داود باشا، فانزعج داود من انسحاب الجيش، فعزل حاج جعفر وصفوق من قيادة العسكر، وعيَّن محمد بن بسام، ومعه خلق كثير من أهل


1- أشهر الاغتيالات السياسية في العراق، أحمد فوزي، ص 80.
2- سفرنامه سيف الدولة، سلطان محمد بن فتح علي شاه قاجار، سنة 1279 ه.

ص: 93

الحساد والقصيم، فتوجَّهوا نحو كربلاء، وحلّوا في صدر الحسينية، قريباً من الخان (خان العطيشي)، وأوّل عمل قام به داود هو إرساله أغات القراغول لقطع ماء نهر الحسينية ( (1)). ويُستدل ممّا سبق على أنَّ الحديث عن خان العطيشي لايداخله الشك، وهو موضوع أثبت التاريخ صحَّته، وقام الدليل على صدقه، والمُتتبِّع لتاريخ الآثار والمواقع الأثرية، يقف عنده متأمّلًا، إلَّا أنَّه لم يلتفت إليه أحد، ولم يوجد بحث واحد وافٍ في هذا الخان، يُبيِّن أُصوله ويستعرض أطواره، كما لم ينل العناية الواجبة له من لَدُن دائرة الآثار، لا سيما في الوقت الحاضر؛ فقد قصدتُ الخان المذكور ورأيته مُهدَّم الأركان، تداعَت بعض جدرانه وأواوينه، وهو ذو شَبَه كبير ببقية الخانات الواقعة في طريق بغداد- كربلاء- النجف من الناحية التخطيطية والعمرانية، وقد بُني بالطابوق (الآجر) والجص.

وقد كتب قاسم حمزة حول هذا التلّ قائلًا:

لا زال التنقيب الأثري للهيئة العامّة للآثار والتراث في تلّ العطيشي الأثري في ناحية الحسينية مستمراً، وتبيَّن من الآثار التي وُجدت أنَّها تعود إلى الفترة الساسانية، أي قبل (1800- 2000) سنة، وتُعتبَر فترة حكم الساسانيِّين فترة غير متطوّرة، قياساً


1- نُزهة الأخوان في وقعة بلد المقتول العطشان، مؤلّف مجهول، مخطوط، ص 95.

ص: 94

بالحضارات الموجودة في العراق، ومنها البابلية والسومرية والآشورية والأكدية وغيرها.

وعن الآثار التي وُجدت، تحدَّث السيد طه كريم عبود، رئيس بعثة هيئة الآثار والتراث: بدأنا العمل في تلِّ العطيشي الأثري بتاريخ 6/ 5/ 1428 ه/ 23/ 5/ 2007 م، وضمن خطّة عمل ترميم وتنقيب المواقع الأثرية، ويشمل الترميم خان الرُبع، على طريق كربلاء- نجف، وخان العطيشي، والقنطرة البيضاء في ناحية الحسينية، والتنقيب لمواقع متفرّقة من محافظة كربلاء المقدّسة، منها هذا التلّ، والبداية بقياس ارتفاع التلِّ عن مستوى سطح البحر، والبدء بخريطة كنتورية لتحديد العمل.

وبعد التنقيب تبيَّن أنَّ الأُسُس الموجودة بُنيت على مرحلتين متفاوتتين في الزمن، حيث إنَّ المجاميع التي كانت تسكن المنطقة ترحل إذا غيَّر النهر مجراه، وتُعيد بناء البيوت التي هجرتها. وبيَّن وجود مجرى مائياً بُني بدقَّة ويصب بمكان خزن، ويُستخدَم لعصر الخمور، وفي مكان آخر من التلِّ فرن من الفخار، يستخدم لصهر المعادن، ووجدنا أيضاً بعض الأواني من الفخار، وصحون مُهشَّمة كُتب على بعض منها كلمة الله، وتعود إلى الحضارة الإسلامية، وقد وصلت إمّا عن طريق النقل، أو السكن فيها في الفترات التي تلت الحقبة الساسانية، وما زال العمل لحدِّ الآن مستمرّاً. ولا تعدّ

ص: 95

هذه الآثار قَيِّمَة إلّا إذا وُجد المعبَد في التنقيب؛ لمعرفة الديانة المستخدمَة، وتحديد الوقت بدقَّة.

وقد طلب بعض أهالي الناحية أن يعملوا مع البِعثَة، لكنَّ العمل في الآثار يحتاج لأُناس ذوي خبرة خاصة في مجال عملهم، وتُعتبَر زيارة أهالي المنطقة دليل وعي المجتمع واعتزازه بتاريخه. ( (1))


1- جريدة إعمار كربلاء، العدد 31، الأسبوع الثاني من شهر أيلول 2007 م، ص 8.

ص: 96

سوقُ الهَرَجْ

كان يُعرَف قديماً ب- سوق الغَزَل، وهو السوق المُسقَّف الذي يقع بين الحرمين، ومعنى (الهَرَج) في اللغة: هَرَجَ في كلامه أي؛ خَلَطَ.

ولأهميّة هذا السوق من الناحية الاقتصادية؛ لابدّ من التعرّض لتاريخه، ونحاول أن نعرض للقارئ الكريم صورة عمّا يجب أن يتمتَّع به من أهميَّة تُذكَر.

يرجع تاريخ إنشائه إلى حوالي سنة 1229 ه/ 1814 م، يقع وسط المدينة، ما بين الحرمَين الشريفين، وهو مستطيل، طوله حوالي 15 متراً وعرضه 8 أمتار، مفتوح من جهة الشارع العام، والدكاكين متراصَّة على جوانبه الثلاثة، وترتفع عن الأرض و الشارع بنصف متر، وفيه 21 حانوتاً، وثلاثة مُبيِّضين القدور، وعدد من باعة الفافُون، وهُم صفّارون بالأصل، ومجموعة عطَّارين يبيعون القلاي والشنادر وباقي احتياجات الصفَّارين ((1) )، وفي هذا السوق مقهى يشغلها علي هدلة، صاحب الانتفاضة المشهورة سنة 1293 ه. ((2) )


1- مجلة التراث الشعبي، ع 1، س 2 تشرين الثاني 1964 م، مقال: الصفّارون في كربلاء، بقلم: عزي الوهاب آل طعمة، ص 15.
2- كربلاء في الذاكرة، سلمان هادي آل طعمة، ص 323.

ص: 97

كان السوق في الماضي مُغطَّى بسقف جمالي، الأمر الذي يُسبِّب انحباس الدُخان وإزعاج الناس المجاورين؛ ممّا دفعهم للشكوى لدى السلطة، وبعد مرافعات عديدة، اكتُفي برفع الجمالي. ويؤمّ هذا السوق الرجال والنساء من قُرى المدينة ونواحيها المجاورة، لغرض التسوّق من حوانيت هذا السوق ومخازنه الغنيَّة بالبضائع والمواد، وللشارع امتداد يصل إلى عَكد الداماد وحمام النواب من الجهة الشمالية، وإلى عكد البلوش من الجهة الجنوبية.

وكان السوق يضم عدداً من المحال التجارية، وبعض المخازن والقيسريَّات التي تُباع فيها المواد العطّارية، كما تُمارَس في السوق مختلف الحِرَف والأصناف، وسُمِّي بالهَرَجَ؛ للدلالة على كونه من أماكن التجمّع والاختلاط، وتعالي الأصوات والتهريج للبيع والشراء، ومن أبرز كسبة هذا السوق: المرحوم الحاج صالح عوز، وجماعة من عشيرة البلوج، وغيرهم. ((1) )

وكانت هناك قيسرية يباع فيها الزجاج، وتُحدّ من جهةٍ بملك السيد علي السندي والسيد رفيع السندي، ومن جهةٍ بحمّام النواب للرجال، ويحدّه حمام النساء، ثُمَّ مدرسة التُرك البادكوبة الدينية، ويلي هذا السوق سوق الصَفّارين، ويتفرَّع منه طريق يؤدِّي إلى الميدان، وفرع آخر يؤدِّي إلى فلكة البلوش.


1- أفادني بهذه المعلومة السيد جواد السيد حبيب بحر العلوم.

ص: 98

وكان هذا الزقاق ضَيِّقاً يبدأ يساراً من عكد النعلجيّة، ثُمَّ تتفرَّع منه دربونة الحاج لطفي البقّال، وتتفرّع منه دربونه جامع الإمام علي (ع)، ويساراً مقام جعفر الجني، ثُمَّ دربونة المجَبِّرجِي، وينتهي بساحة البلوش.

وهناك سوق ثانٍ للصفّارين يقع في محلّة باب النجف، شرقي المدينة، على جانبَي شارع مُبلَّط، يتخلَّله مجموعة من الدكاكين حسنة البناء، وهو بعيد نسبياً، ويحتوي على 14 حانوتاً فقط، والباقي باعة فافون وحدَّادون ومِهَن أْخرى.

لابدّ من التنويه إلى أنَّ هذا السوق انتهى به الحال مع حملات الإزالة، بسبب التوسّع والانفتاح الذي شهدته المدينة فيما بعد.

ص: 99

سبيل تاج دار باهو

هو الرباط العائد للأميرة الهندية (تاج دار باهو)، زوجة السلطان محمد علي بن واجد علي شاه، آخر ملوك مَملكة (أوده) ( (1)). يقع الرباط في محلَّة باب الطاق، وقد شُيِّد في حدود القرن الثالث عشر الهجري. يصعب علينا تقدير قيمة الفنِّ الذي يحتويه هذا البناء، ذلك لما احتوى على نفائس وتشكيلات متنوّعة من الريازة الجميلة التي تضيئي على البيت وتشعّ إشعاع البدر في دُهْمَة الليل.

الباب الرئيسي للرباط كبير، ذو ارتفاع 3 أمتار وعرض كل طلّاقة 5/ 1 متراً، وهي ذات مُشبّكات بديعة نافذة تُكسب الباب جمالًا فنياً رائعاً، فإذا دخلت الدار ونظرت إليها يميناً وشمالًا، رأيت من كلتا الناحيتين ما يملأ عينيك قُرَّة وصدرك مسرَّة، فهناك فناء واسع في وسطه حوض كبير، تحيط به عقود مُفْضِية إلى حجرات، والبناء ذو طابقَين، وفيه من جمال الهندسة ما يُلفِت إليه النظر،


1- مملكة أوده: أرض أو مقاطعة في بلاد الهند، يمتلكها راجة من الطائفة الشيعية، ويصرف نماءها على رجال الدين والمعوزين والفقراء، ترسل النقود، بواسطة السفارة البريطانية، إلى وكلائها علماء النجف وكربلاء، وقد جاء في كتاب (شيعة العراق) لإسحاق النقاش ص 295: أنَّ الموارد المالية وصلت وفق خيريه أوده إلى النجف وكربلاء لأوّل مرَّة حوالي 1850، بعد وفاة مريم بكم وسلطان محل.

ص: 100

ويدعو إلى العجب، وقد رأيت في إحدى الغرف المرايا المُزجَّجة والفُسيفساء المُرصَّعة بالأحجار؛ ما يُعتَبر من أبرز المُميِّزات في العمارة الإسلامية في العراق. وممّا تجدر الإشارة إليه، أنَّه كان يخرج موكب للهنود من هذا الرباط، خلال الأيام الأُولى من محرم الحرام من كل عام، مُتَّجهاً إلى الروضتين المقدَّستين، والعودة إلى الرباط المذكور، وهو: بهو الإمام باره ( (1)).

ومن دواعي الأسى والأسف أنَّ هذا الرباط الفخم تعرَّض إلى تدميرٍ كامل بعد العام 1421 ه/ 2000 م؛ وذلك بسبب شَقّ شارع السِدرة وتوسيعه، بعد أن كان محطّ أنظار الناس ومحلّ إعجابهم، وأخذ سحره بألبابهم. وللدار أخبار أُخرى لا محلَّ لذكرها الآن.


1- سلمان هادي آل طعمة، حكايات من كربلاء، ص 10.

ص: 101

قنطرة الحديبة

لا يمكن للمرء أن يُغفل عن هذه القنطرة، تقع على نهر الحسينية، باتّجاه الطريق السالك إلى بغداد، ويظهر من بعض الأخبار أنَّ القنطرة هي من مُنشَآت العهد العثماني، وقد بُنيت بالآجر والجص، ولعلّ من المفيد أن نشير إلى أنَّ هذه القنطرة شهدت حادثة تُعرَف بحادثة الأشيقر وأبو هرّ، سنة 1294 ه/ 1877 م.

وجاء في كتاب (مدينة الحسين (ع))- ضمن ترجمة العلامة السيد إبراهيم القزويني، (صاحب الضوابط)- ذكر هذه القنطرة:

«له مواقف رائعة في محاربة النِحَل الجديدة في كربلاء، مثل الكشفية والبَابيَّة، وكذلك لم يسمح للفرقة الإسماعيلية البُهرَا، ولا للفرقة الآغاخانيه، الدخول إلى مدينة كربلاء لزيارة العتبات الحسينية المقدّسة، فكانوا يأتون إلى ضواحي كربلاء، ويُخيِّمون في أراضي الجعفريات، عند مقام جعفر الصادق (ع)، وعلى قنطرة الحديبة، الواقعة على نهر الحسينية، يؤدُّون مراسيم الزيارة ويرجعون إلى مُخيَّماتهم، ولكن بعد وفاته سُمح لهم الدخول إلى الحائر الحسيني» ( (1)).


1- مدينة الحسين، للسيد محمد حسن الكليددار آل طعمة، ج 4، ص 167.

ص: 102

ووردت الإشارة إلى القنطرة في (الضبط المُنظّم) برقم 102، والمُؤرَّخ 7 ذوالحجّة 1295 ه ((1) )؛ حيث قام المرحوم السيد مهدي بن السيد علي بن السيد باقر الأشيقر، وآل أبوهر مع زعيمهم المرحوم الشيخ محمد علي بن سلطان أبو هرّ؛ بالخروج من كربلاء استنكاراً لتسليم علي هدلة، فلمّا قارب المذكور قنطرة الحديبة على نهر الحسينية، تلقّاه الجيش العثماني فأردوه قتيلًا، وأخذوا برأسه على الحربة وطافوا به في أسواق المدينة وطُرقاتها، ولمَّا أُصيب السيد مهدي بن السيد علي الأشيقر بعيارٍ ناري في كتفه، عجز أبناء المدينة عن إخراج العيار منه، وكان هو من زُمرة الثائرين ضدّ الحكومة، فثارت ثائرته فترك كربلاء ناجياً برأسه، وقصد إيران للعلاج، ومنها إلى قفقازيا ( (2)). وما تزال هذه القنطرة قائمة إلى يومنا هذا، غير أنَّها لم تكن مُحدَودَبَة بسبب التعميرات التي حصلت مُؤخَّراً.


1- الضبط المُنظّم، برقم 102، المؤرَّخ 7 ذوالحجة سنة 1295 ه.
2- تراث كربلاء، سلمان هادي آل طعمة، ط 2، ص 386.

ص: 103

فيض حسيني

بناء فخم تقع واجهته الأمامية على شارع العباس (ع)، وتطلّ الواجهة الخَلفيَّة على شارع الإمام الحسين (ع)، تأسَّس هذا المُجمَّع السكني الكبير سنة 1900 م/ 1319 ه، وهو رباط الهنود الإسماعيلية المعروفين بالبُهْرَة وهم فرقة من فرق الشيعة الإسماعيلية الباطنية ( (1)). تتوفَّر في هذا المُجمَّع كل مستلزمات الراحة، من سكن وطعام ومعالجة طبيَّة، وتُقدَّم هذه الخدمات لأبناء الطائفة مجَّاناً، على نفقة عظمة سلطان البُهرة محمد برهان الدين، وكانت آخر عمارة له، وهي الحالية، قد أُنجزت سنة 1999 م/ 1420 ه، على مساحة تُقدَّر بدَونَمَين تقريباً، وتضمّ 52 شُقّة سكنية مزوَّدة بالماء والكهرباء ( (2)).

وجاء في مقال كتبه السيد عبدالرزاق الحسني، وهذا نصّه: «وأشهر المباني الحديثة في كربلاء رباط الهنود الإسماعيلية، المعروفين ب- البُهرة، فإنَّه كبير جداً، وفيه مشروع إسالة ماء خاص به، ومؤسّسة للكهرباء، وصيدلية توزَّع فيها الأدوية مجّاناً» ( (3)).


1- مجلة العرفان اللبنانية، ذوالقعدة وذوالحجة 1357 ه، ص 64.
2- سلمان هادي آل طعمة، دليل كربلاء المقدسة، ص 57.
3- مجلة الدليل النجفية، ع 1 و 2، س 2 1366 ه، مقال للسيد عبدالرزاق الحسني، ص 136.

ص: 104

إنَّ بناية فيض حسيني ذات مساحة واسعة، فهناك طارمة تطلّ على الساحة من جهة الشمال، مُزدانة بأبدع النقوش وأتقنها، وقد بُني هذا الرباط بالحجر الكلسي والجص، في منطقة لها مُقوِّمات تراثية غنية، فهناك تنهض أيضاً مُنشآت عصرية وفنادق رئيسية تخدم مستقبل البلدة.

ص: 105

مستشفى الحسيني

تقع بناية المستشفى الحسيني في محلَّة العباسية الغربية، في الجانب الجنوبي من المدينة. يكاد يُجمِع المُؤرِّخون أنَّها أُنشئت في عهد الدولة العثمانية، في أيام الوالي نامق باشا الصغير، سنة 1330 ه/ 1912 م، وأُجريت مراسيم افتتاحها، ودامت مدَّة وهي تستقبل المرضى، وقام ببنائها السيد هاني، والد الدكتور عبدالكريم هاني، وكان المعمار لها أُسطة فهد، ثُمَّ جُدِّد بناؤها سنة 1353 ه/ 1934 م، وافتتحها الملك غازي الأوّل، وأطلق عليها اسم غُرَبَا خستخانه سي، أي؛ مستشفى الغرباء، سرعان ما هدمت أيام السفر بر، أي؛ التسويق، ثُمَّ أُعيد بناؤها. يتألّف البناء من الطابوق (الآجر) والجص والنورة (الحجر المحروق الذي يُجلَب من طريق عين التمر)، وكانت كورة حمام المُخيَّم وحمام الكبيس من الأماكن التي يُحرَق فيها الحجر ( (1)). والداخل إلى المستشفى تُبهره النقوش البديعة التي تُزيّن جدرانها، وكانت هذه المستشفى تحوي على ثلاثة حمامات للرجال، وثلاثة للنساء، وغرفة للعمليات، أمّا


1- أفادني بذلك السيد إبراهيم شمس الدين القزويني الحائري، مؤلِّف كتاب البيوتات العلوية في كربلاء.

ص: 106

في الجانب الأيمن فتوجد صالة للرجال، وفي الجانب الأيسر صالة للنساء، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ المستشفى تحوي على قاعة كبيرة ذات عدَّة غُرف، منها لرئيس الصحة والمُحاسِب، والأطباء والتضميد الفوري، وقاعة للعمليات، ويوجد مطبخ خلف المستشفى وحمّام ومرافق صحية للأطباء المُقيمين. ( (1))

يظهر لنا ممّا سلف صورة ما كانت عليه هذه المستشفى، فضلًا عن ذلك فقد اهتمَّت الحكومة- آنذاك- في ترقية وتوسيع بنايتها، غير أنَّ هذه البناية القديمة اضمَحلَّت بسبب شقّ شارع وسطها، من أجل ربط المدينة بالإسكان. وقد أُنشئت مستشفى جديدة عوضاً عنها.


1- سلمان هادي آل طعمة، كربلاء في الذاكرة، ص 83.

ص: 107

حُوش الجَنَّة

قد لا نعجب أن نسمع أنَّ أهل محلَّة باب الطاق يُطلقون على هذه الدار ب- حُوْشِ الجَنَّة؛ ذلك لأنَّها تحتوي على حديقتين، وكانت مُشيَّدة في العهد العثماني، اشتراها المرحوم السيد صالح بن السيد سليمان بن السيد مصطفى آل طعمة، المتوفَّى سنة 1319 ه، وموقعها بالقرب من طاق الزعفراني، وهي دار قديمة، رحبة الفناء، مُكتظَّة الأشجار، تحتوي على أربع نخلات وعدد من أشجار النارنج.

بلغت مساحة الدار 1000 متراً مربعاً، وتتألَّف من ساحة مفتوحة تحتوي على خزان كبير للماء تملي منه نساء المحلَّة، ويحتوي على حوض كبير وساباط للعنب، وتحيط بالبيت أواوين وغرف للمُؤن وحمّام ومطبخ، أمّا الأبواب والشبابيك فيعلوها زُجاج ملوَّن، وكل الغرف تطلّ على باحة الدار من جميع الجهات. ولابدّ من الإشارة إلى أنَّ الدار بُنيت بالطابوق (الآجر) والجص، كما هو الحال في دور الكربلائيّين التي تُبنى بالطابوق (الآجر) والجص.

أعاد بناءها المرحوم السيد صالح آل طعمة، ويروي المُعمِّرون أنَّ هذه الدار حلَّ فيها السلطان محمد علي بن واجد علي شاه

ص: 108

(سلطان مملكة أوده) ((1).)، مع 300 فرد من أفراد حاشيته، والمُومى إليه هو زوج الأميرة الهندية تاج دار باهو، يُضاف إلى ما تقدَّم أنَّ معظم راجات الهند كانوا يحلّون في هذه الدار لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف.

وقد خرج منها ديوان يقصده الأشراف والأعيان إلى أنْ أجاب السيد صالح آل طعمة داعي ربّه سنة 1319 ه، وقد واصل مُهمَّته من بعده ولده السيد مهدي، المتوفّى سنة 1336 ه/ 1918 م، ثُمَّ جاء دور السيد نوري بن السيد مهدي بن السيد صالح المذكور، حيث أظهر الأخير براعة فائقة في إقامة العلاقات الاجتماعية مع أبناء المدينة، واستقبال الوافدين والترحاب بهم، حتى وفاته سنة 1366 ه/ 1947 م ( (2))، وبموته هُجرَت الدار وغلب عليها الخراب إلى يومنا هذا.


1- قصد السلطان محمد علي إسطنبول فزار السلطان عبدالحميد لكي يعيد سلطنته، ويعمل تحالفاً مع الدولة العثمانية ضد الإنكليز، لكنه لم يفلح، فذهب إلى النمسا ومنها إلى لندن، وفيها لقي حتفه، ونقل جثمانه إلى كربلاء فدفن في صحن الحسين*
2- مجلَّة فيض الكوثر النجفية، العدد 7/ 80، 1424 ه/ 2004 م، ص 43.

ص: 109

قلعة النواب

عمارة ضخمة معروفة تقع في الطرف الشرقي من مدينة كربلاء، على بُعد 4 كيلومتر، عمَّرها نوازش علي خان الكبير ابن علي رضا خان النواب اللاهوري القزلباش، وذلك في سنة 1296 ه/ 1878 م، وهي ضمن بستان لا يتجاوز الدونمين ( (1))، وتعرف أيضاً بقلعة الهندي ((2) )، وتقع شمالها مقاطعة البهادرية، التي تسكنها عشيرة (البهادرية).

والقلعة ذات بناء قديم بُنيت بالجص والآجر، ولها باب يُعتبرَ من الأبواب التقليدية الرائعة.

إنَّ هذه القلعة مَعْلَم شاخص و من العلامات الدالة في المنطقة، تعود ملكيتها إلى أُسرة آل النوَّاب، أورد ذكرها الرحالة الإيراني أديب الملك، الذي زار كربلاء سنة 1273 ه، فقال: «قلعة مُحكَمة وهي تبعد نصف فرسخ عن المدينة، وهي مؤسّسة قبل 100 سنة، منِ قبل آصف الدولة الهندي» ( (3)).


1- أفادني بذلك المرحوم الدكتور حسن أفضل خان النواب.
2- سلمان هادي آل طعمة، كربلاء في الذاكرة، ص 153.
3- سفر نامه أديب الملك به عتبات، سنة 1273 ه فارسي، ص 157.

ص: 110

يسكن هذه القلعة بعض أفراد عائلة آل النواب، وكان فيها إسطبل للخيل وجامع وحمّام، وأُلحق بها بعض الدور لسكن الخدم.

وكانت القلعة ذات طابقين، إلَّا انَّ الطابق الثاني قد أُلحق به ضرر في الآونة الأخيرة، ممَّا اضطرَّ العائلة إلى رفعه، حفاظاً على البناء الباقي، وكان الطريق المُؤدِّي إلى داخل المدينة من القلعة علقت فيه فوانيس، لإنارة طريق الزوار القاصدين مدينة النجف الاشرف.

ولا تزال القلعة ماثلة للعيان، ومُحافِظة على هيكلها القديم.

ص: 111

القشلة

يُراد ب- القَشلة؛ الثكنة.

لا يزال البعض من المعمِّرين يدركون وجود القشلة وأهمّيتها، فهي ذات بناء مُحكَم أُنشئت في العهد العثماني، وتقع في المنطقة المعروفة بالفسحة، بمحلَّة باب الخان، وبالتحديد في المنطقة المحصورة بين عَلْوَة السمك حتى مديرية الكهرباء وفيض حسيني. إنَّها بناية مُدوَّرة مبنيَّة بالآجر والجص، كانت مرصداً لمراقبة الأعداء الغزاة، حيث تعتبر أحد المراكز الدفاعية عن المدينة ضدَّ المهاجمين، وقد لبث هذا البُرج يغالب الزمن طويلًا.

لدى الاستفسار من مهدي محمد علي أبو سالم، وهو من مواليد سنة 1318 ه/ 1900 م، حيث ساهم بنشاط ملحوظ في حركة المشروطة في كربلاء، قال: «إنَّ مراكز الدفاع الصَنْكَر كانت على السور المحيط بالمدينة، وبشكل مُكثَّف على جانبي أبوابه، أمّا البناية المقصودة، فهي ملك أهلي، شَبَّهها الناس بالقشلة التي قرب السراي ببغداد، وحتى أنّها لم يتم بناؤها لهذا الغرض». ويشير الرحّالة سيف الدولة، الذي زار كربلاء سنة 1279 ه، إلى ما هذا تعريبه: «إنَّ الدولة العثمانية قامت بعد المعركة التي وقعت مع

ص: 112

اليرمازية، وقيام الوهابيّين بالقتل العام في كربلاء، ببناء قلعة و قشلة و دار للحكومة في محلّة باب النجف، حيث يتواجد فيها الحُكّام والعساكر والمأمورون، حفظاً للنظام والأمن». ((1) ) وجاء في كتاب (كربلاء في التاريخ) المخطوط قوله:

«واتَّجهت القوة الرئيسية نحو فسحة باب الخان، فاحتلت فيض حسيني و القشلة العسكرية القديمة خان المخضرات الحالي، وتحكَّمت في هذه المواقع من الجهات الثلاثة الشرقية والغربية والشمالية» ( (2)).

أمّا اليوم، فقد تحوَّلت الأرض التي كانت فيها بناية القشلة إلى بناية ذات عدد من الحوانيت التجارية.


1- سفرنامه سيف الدولة، سلطان محمد بن فتح علي شاه، طهران 1364 ه.
2- كربلاء في التاريخ، للسيد عبدالرزاق الوهاب آل طعمة، فصل أقضية حمزة بيك، مخطوط.

ص: 113

النَصْبُ التِذكاري

يتوسَّط هذا النصب ( (1)) الميدان القديم، شُيِّد من قِبل الحكومة العثمانية سنة 1326 ه/ 1908 م؛ تخليداً لذكرى نشر القانون الأساسي في البلاد، ومن أبرز مزايا هذا النصب أنَّه كُتب على رُكن منه 10 تموز تخليداً لذكرى انقلاب السلطان عبدالحميد العثماني، كما كُتب على جهاته الأربع شعار الحكومة العثمانية اخوَّت، مساوات، حُريَّت، عدالت ((2) )، وكانت تقام بالقرب من هذا النصب معاملات البيع والشراء بالمزاد، غير أنَّ هذا النصب قد هُدم بمرور الزمن، وأُقيمت على أنقاضه بناية بلدية كربلاء فيما بعد، ثُمَّ أُزيلت بناية البلدية وتحوَّلت إلى ساحة واسعة لوقوف السيارات، تُعرَف اليوم ب- ساحة الزهراء.


1- مجلّة المقتطف، مج 55، تموز 1919 م/ 1327 ه، مقال: ذكر كربلاء، بقلم: يوسف رزق الله غنيمة.
2- كربلاء في الذاكرة، سلمان هادي آل طعمة، ص 153.

ص: 114

مقبرة الوادي العتيق

وتُعرَف هذه المقبرة ب- وادي أيمن، أو ب- وادي الصفا، تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة كربلاء، أي بين كربلاء والهندية، وهي عائدة لنوازش علي خان القزلباش النوَّاب، اشتراها من مصطفى كُبَّة، أحد أعيان بغداد، وذلك في سنة 1305 ه/ 1887 م. وفي هذه المقبرة الواسعة القديمة موضع أراضي كربلة المجاورة لقبر ابن الحمزة، على النهر المشهور بنهر الحلّة، قريباً من الوادي العتيق ((1) ). كما أنَّ حدودها تصل إلى معمل اليشماغ الحالي، الذي يقع على شارع العباس، مروراً بالأرض الزراعية التي يُطلَق عليها محلياً الجاير، أي الأراضي غير المزروعة.

كما يوجد مسجد يقع على نهر الهندية، خلف معمل اليشماغ الحالي، وهو بناء مهجور اتُّخذ مُصلّى لتلك المقبرة، شُيِّد سنة 1319 ه/ 1901 م، ونُقشَت على بابه أبيات شعر بالفارسية، ومادَّة التاريخ تشير إلى سنة 1309 ه/ 1891 م، ولاتوجد كتابات في داخله.


1- د. عبد الجواد الكليددار آل طعمة، كربلاء وتاريخ عمرانها، ص 28، مخطوط.

ص: 115

وأُحيط المسجد المذكور بسلسلة من الآيات القرآنية، مكتوبة على الكاشي الكربلائي، وفي هذهِ المقبرة دُفن العالم السيد هاشم الحسني الجهرُمي، المتوفى سنة 1322 ه. ( (1))

قد لا يعرف البعض أنَّ أهمّ حادث وقع في هذه المقبرة، والأراضي المحيطة بها، هو حادث غرق بعض الأفراد من أهالي كربلاء، ومعهم جملة أفراد من أهالي البحرين، المتوجّهين إلى النجف لزيارة مرقد أميرالمؤمنين (ع)، وذلك في سنة 1305 ه ومادة تاريخها غرفة ((2) )، وتجدر الإشارة إلى أنَّ المرحوم السيد هاشم شاه الأشيقر قد تبرَّع بنفقات الزوار المتواجدين في المدينة، من أجل عودتهم إلى بلدانهم سالمين ((3) ).

وهذه الحادثة يرويها الكثير من المُعمّرين.


1- سلمان هادي آل طعمة، تراث كربلاء، ط 2، ص 317.
2- محمد عبود الكوفي، نزهة الغري، ص 51.
3- أفادني بهذه المعلومة السيد مهدي السيد جواد آل نصرالله.

ص: 116

بيت السيد نور الياسري

يقع هذا البيت في زُقاق السيد نور الياسري، بمحلَّة باب السلالمة.

شُيّد بالآجر والجص تشييداً مُحكَماً، وهو ذو طابقين، يُصعَد إليه بدرج من ساحة الدار، وتطل شَناشِيل غُرَفِهِ على الزقاق المذكور، ونرى فيها تشكيلات متنوّعة من الزخارف التي تعكس قيمة جمالية، كما تُرى فيها العواميد الخشبية العالية والسقوف المُزَخرَفة المُطعَّمة، وغرفها المُشرفة على فناء الدار.

كان السيد نور بن السيد عزيز عضواً في مجلس الأعيان، وقد حظي بشهرة واسعة بمجتمعه، وكرَّس نفسه لخدمة الناس وقضاء مصالحهم، ولا أعدو الحقيقة إنْ قلت: إنَّ هذه الدار شهدت مواقف فعّالةً في نشر الوعي الوطني والنشاط السياسي بين الناس إبّان ثورة العشرين، وكانت هذه الدار مجمعاً لشخصيات فراتية هامّة آنذاك، يتداولون فيها الأمور السياسية الخاصة بالثورة.

جاء في جريدة (المجتمع) ما هذا نصّه: «وقد سبق قيام الثورة انعقاد مؤتمر كربلاء في دار الزعيم العربي السيد نور الياسري، وفي دار الوجيه السيد جواد الصافي، في كربلاء، ويتألَّف المؤتمر من

ص: 117

زعماء عشائر الفرات الأوسط، وبعض زعماء وأشراف كربلاء، وهناك تمَّ التنسيق والعمل وتقسيم الأدوار المُهمَّة. ثارت من الرميثة أوّل طلقة إيذاناً للثورة، ثُمَّ استعرت نار الحرب في كل مكان، وكانت كربلاء مُنطلَق الثورة ومحوَر الحركات العسكرية، بقيادة الزعيم الروحي الإمام الشيرازي، الذي كان العقل المُدبِّر والرجل الفولاذي» ( (1)).

وممّا يحسن إيراده في هذا الصدد انَّ هذه الدار كان يقام فيها مجلس للعزاء في العشرة الأُولى من محرم الحرام، يقصده الأشراف والرؤساء الكربلائيون ( (2))، وعندما أدركته الوفاة حلّ محلَّه نجله السيد عبدالمهدي، الذي انتُخب هو الآخر نائباً في البرلمان عن لواء الديوانية، وكان الشخصية المُميَّزة في الأُسرة، وقد بقي يواظب بإشرافه على هذه الدار، كلَّما كان يزور مدينة كربلاء، إلى أنْ وافاه الأجل، فحلَّ محلَّه ولده السيد فاخر، المتوفى سنة 1428 ه/ 2008 م، ولا تزال هذه الدار عامرة إلى يومنا هذا، يديرها أحفاده وأقرباؤه، الذين يتمسَّكون بالعادات والتقاليد العربية.

المواقع الأثرية و السياحة في كربلاء ؛ ؛ ص117


1- جريدة المجتمع الكربلائية، ع 34، س 6 السبت 5/ 7/ 1969 م، ص 8، مقال دور كربلاء في تفجير ثورة العشرين المجيدة، بقلم: الحاج جاسم الكلكاوي.
2- حديث مع الشيخ علوان الحاج عبد أبو هر الخفاجي، 2/ 2/ 1963 م.

ص: 118

خان النخيلة

يُعرف أيضاً ب- خان الرُبْع، يقع في الجنوب الشرقي من مدينة كربلاء، وعندما زار الرحَّالة الإيراني سديد السلطنة العتبات المقدَّسة في كربلاء والنجف، سنة 1316 ه، مرَّ بهذا الخان وأشار إلى أنَّ خان النخيلة هو دار استراحة. بُني من ثُلث المرحوم الحاج حسن شمسة، ولم ينتهِ بناؤه بعد، وإنَّ الحُجاج الذين يعودون عبر طريق الجبل يحجرون صحياً في هذا المكان ( (1)). ومن أجلِّ مآثر المرحوم الشيخ محمد صالح شمسة، المتولّد سنة 1323 ه، إكمال بناء خان النخيلة بين النجف وكربلاء، وضمان راحة الزائرين في ذلك العهد ( (2)). وكان السفر إلى النجف يتمّ عن طريق الشركة التي أسَّسها المرحوم محمد حسن كمبني، وكانت العربات التي تجرُّها الخيول هي الوسيلة للذهاب والإياب، مع استراحةٍ في خان المصلى وخان النصف وخان النخيلة، وتبديل الخيول أيضاً ( (3)).

وممّا يجب أنْ يشار إليه أنَّ الخان كان مخصَّصاً لاجتماع الثوار في


1- سفرنامه سديد السلطنة، محمد علي خان، فارسي، ص 326.
2- شعراء الغري، علي الخاقاني، ج 9، ص 294.
3- النجف الأشرف/ عاداتها وتقاليدها. طالب علي الشرقي، ص 18.

ص: 119

سنة 1338 ه/ 1920 م ( (1))، كما أنَّه اتُّخذ لراحة المسافرين والزائرين الذين يقصدون العتبات المقدّسة ( (2)).

ويبعد هذا الخان عن كربلاء بمقدار 20 كيلومتراً، وهو يتألف من هيكل ضخم قاوم أحداث الدهر سنين طويلة، يتميَّز هذا الخان بعُلوِّ سوره، ومدخله يتألّف من طابقين، وتتوسَّطه بَوَّابة كبيرة تُفضِي إلى ساحة واسعة.

خان الربع هو بناء مربَّع الشكل، طول كل ضلع من أضلاعه 86 متراً، يقع على الطريق بين محافظتي كربلاء المقدَّسة والنجف الأشرف، وهو ضمن سلسلة من الخانات التي بُنيَت في العهد العثماني، والتي عددها 48 خاناً، يقع اثنان منها في محافظة كربلاء المقدَّسة، هما: خان الربع وخان العطيشي، التي بناها سليمان باشا الكبير في العهد العثماني، والتي كانت تُستخدَم كمحطَّات استراحة للمسافرين ما بين البصرة وبلاد الشام.

سُمّي خان النخيلة، أو خان الرُبع؛ لوقوعه في رُبع المسافة ما بين هاتين المحافظتين، وهذه التسمية محلِّية أُخذت منها التسمية الرسمية لهذا البناء.

الخان مُربَّع الشكل يحتوي على مدخل رئيسي في الجهة الشرقية منه، ويعلو المدخل قُبَّة كبيرة، تحتوي على عناصر زخرفية إسلامية


1- مجلة الكوثر النجفية، ع 48، س 3، ص 49.
2- الدليل الإداري للجمهورية العراقية، 1409 ه/ 1989 م، ص 129.

ص: 120

مهمَّة، وهي المقرنصات. البناء ذو طابع إسلامي بحت لاحتوائه على الأواوين والأقواس المُدبَّبة والمقرنصات، والتي هي عناصر معماريَّة زخرفية إسلامية انتشرت في الأبنية الإسلامية. على جانبي المدخل مَمَرٌّ يعلوه قَبْو، وعلى جانبيه أواوين ذات أقواس مدبَّبة، كانت تُستخدَم كأماكن لاستراحة المسافرين ومبيتهم، ويطلُّ المدخل على الساحة الوسطية التي تحيط بها الأواوين من جميع الجهات، ويحتوي المدخل على سُلَّمَين يقعان على جانبي المدخل يُؤدِّيان إلى سطح الخان، وتحتوي الساحة الوسطية على بئر واحد فقط، كان يتزوَّد منها النُزلاء في الخان بالماء، وكانت الساحة مُبلَّطة بمادَّة الآجر (الطابوق الفرشي)، وكان الطابوق الفرشي والحصى هي المادة الأساسية في بناء الخان، مثل باقي الخانات التي بُنيت في الفترة الزمنية نفسها.

وقد استُعمل الخان كمنطقة سياحية يرتادها السواح من داخل وخارج العراق، لما يحتويه هذا الخان من سحر وعُمقٍ حضاري، وقد اهتمَّت الهيئة العامة للآثار والتراث بهذا الخان بشكل خاص، حيث أقدمت على مشروع إعادة بناء وترميم وصيانة الأجزاء المتضرِّرة منه، وأوكلت مهمَّة إعادة بنائه إلى مُفتشيَّة آثار محافظة كربلاء المقدَّسة، حيث تمَّ العمل عليه لموسمَين متتالييَن، لحين وقت سقوط النظام، حيث توقَّف العمل به كما توقف العمل في جميع مشاريع الآثار، وقد

ص: 121

تمَّ وضع دراسة جديدة للاستمرار بإعادة بناء وترميم وصيانة الخان، وإدراجه ضمن خطَّة مشاريع الهيئة العامة للآثار والتراث، ولم تكن

أعمال الصيانة في هذا الخان الوحيدة، بل كانت هناك أعمال سابقة في السبعينيات من القرن المنصرم، ولكنَّها كانت أعمال صيانة خفيفة.

تأهيل وترميم خان النخيلة

تقوم كوادر دائرة الآثار والتراث، في وزارة الدولة لشؤون السياحة والآثار، بإعادة تأهيل وترميم خان الرُبع في ناحية الجدول الغربي، وقال المهندس محمد حسين أمين، المُشرِف على المشروع: إنَّه يتضمَّن تأهيل المبنى الذي يُعتبرَ من الرموز التاريخية في الناحية، من خلال إعادة بناء (الإيوانات) التي تضرَّرت- بفعل أعمال النظام السابق- لهذا المبنى، وإعادة بنائها بطريقة البناء التراثي، وأضاف ل- (إعمار كربلاء): إنَّ تخصيصات هذا المشروع بلغت 158 مليون دينار، وتشمل التنقيبات الأثرية في محيط المبنى، وتُنفِّذه كوادر الدائرة بطريقة التنفيذ المباشر. وأشار إلى أنَّ التنقيبات حقَّقت نسبة إنجاز بلغت 56%. ومن الجدير بالذكر أنَّ هذا المبنى التاريخي قد شُيِّد في العصر العثماني، على شكل مربَّع يحتوي كل ضلع فيه على 35 إيوان، ما عدا الضلع الشمالي الذي يحتوي على 26 إيوان ((1) ). وفي كتاب (دليل كربلاء السياحي): أُنشِئ خان الرُبع في عهد الوالي العثماني سليمان، عام 1187 ه/ 1774 م، كمحطَّة لاستراحة الزائرين ((2) ).


1- جريدة إعمار كربلاء، ع 44، كانون الأول 2007 م، ص 8.
2- دليل كربلاء السياحي، ص 76.

ص: 122

دار السيد محسن الحكيم

تقع هذه الدار في محلَّة المخيم، مقابل زقاق السيد يوسف آل طعمة، وكانت من الممتلكات العائدة لعائلة الأديب الكربلائي المعروف مشكور الأسدي (1337- 1411 ه/ 1919- 1991 م)، ومن المناسب أنْ نقول هنا: إنَّ من أهمِّ الأحداث التي ارتبط ذكرها بهذه الدار هي اتّخاذها من قِبل السيد محسن الحكيم، المرجع الديني الأعلى للطائفة، مُستقرّاً له أثناء الهجمة الشيوعية على المرجعية، وذلك في سنة 1378 ه/ 1959 م وعندما حطَّ الإمام السيد محسن رحاله في مدينة كربلاء أبّان تلك الفترة، استقبله الأهالي استقبالًا حافلًا، ووفَّروا له كل أسباب الحماية والراحة، وبصورة خاصة خَدَمَة الروضتين المقدَّستَين، فكانوا يحيطون به إحاطة السِوار بالمعصم، منذ خروجه- يومياً- من الدار لزيارة الروضتَين المُطهّرتين، وأثناء عودته منهما ((1) ). ولنترك الأديب الشهيد السيد صادق آل طعمة يحدّثنا عن ذلك الموقف، حيث يقول:

«وفي أيام المحنة والفوضى تلك، وقف خَدَم الروضتين المقدّستين، شيباً وشباباً، دروعاً واقية لسماحة الإمام الحكيم، خلال


1- حديث مع الحاج عبد الأمير الأمين الحمامي.

ص: 123

مدَّة إقامته في كربلاء، من يوم 28 جمادي الثاني حتى يوم 15 رجب، حيث حضر سماحته الاحتفال الأوّل الخالد الذي كان حديث الإذاعات العربية والإسلامية والأجنبية، ولقد كانوا يطوّقون سماحته في حلقة واسعة متماسكة بالأيدي، أثناء خروجه من الدار لزيارة الروضتين المقدّستين، وأداء فريضة الصلاة الجامعة، حتى عودته إليها، في حراسة شديدة، حفاظاً على وجوده من أيِّ اعتداء فوضوي دخيل وللسيد عبّود الشروفي جهود كبيرة في هذا الموضوع. ورُبَّ سائل يسأل: لماذا جاهر الفوضويّون بعدائهم السافر للإمام الحكيم بمثل هذه الصَفَاقَة الملحوظة؟

ففي الإجابة على ذلك نقول: لأنَّ الإمام الحكيم هو المرجع الأعلى الديني، الذي يُمثِّل بشخصيته العظيمة طائفة الشيعة الإمامية في العالم الإسلامي، وكان الفوضويّون يعتقدون أنَّ أيَّ إضعاف يصيبه من جانبهم، هو إضعاف للمركزية الدينية والزعامة الإسلامية، وإذا ما أُصيبت الزعامة الإسلامية بضعف، لا سمح الله، فإنَّه سيشمل كافة العلماء والأعلام ومراجع التقليد. وأنَّ إهانة العلماء هي إهانة للأُمّة، وهل تبقى للأُمّة الإسلامية قيمة أو كرامة إذا أُهين قادتها الروحيّون، أو تعرَّضوا لعدوان أثيم أو خطر جسيم؟! فكيف وهم المصابيح التي تُنير الطريق بنور الإسلام، الذي قال

ص: 124

تعالى ( (رضى)) ( (1)).

هكذا شهدت هذه الدار ظروفاً قاسية إبّان اجتياح المدّ الأحمر، حتى انقشعَت الغُمامة وعاد السيد الحكيم إلى النجف بعناية الله ورعايته.

پ


1- الحركة الأدبية المعاصرة في كربلاء، للسيد صادق آل طعمة، ص 160 159.

ص: 125

مقام الإمام الحسن (ع)

يقع هذا المقام في الطرف الشرقي من مدينة عين التمر، وهو عبارة عن حُجرة مُشيَّدة على طرازالقِباب العربية القديمة، زُيِّنت جدرانها بالمرايا والآيات القرآنية المخطوطة، وقامت بعض النسوة بتلطيخ جدران المقام بالحِنَّاء تبرّكاً به، وتوجد في أعلى الباب لوحة كتب عليها مقام الامام الحسن بن علي (ع).

ص: 126

حوض الإمام علي (ع)

يقع في الجهة الشمالية من عين التمر، وهو عبارة عن حجرة صغيرة، يرى الداخل إليها من بابها الخشبي الصغير حوضاً قاعه مملوء بالماء، وهو على شكل مستطيل، طوله 25/ 1 متراً وعرضه 75/ 0 متراً، وقد كُتبت آيات قرآنية على جدران الحجرة، ويعتقد السُكّان أنَّ الامام علي بن أبي طالب (ع) وصل إلى تلك المنطقة، وتوضَّأ من ماء هذا الحوض.

ص: 127

دوسة الإمام علي (ع)

في حجرة مستطيلة تقع في مركز مدينة عين التمر، أرضها صخرة مُثلَّثة الشكل تقريباً، ولونها ضارب إلى السواد، فيها مُنخفَض يشبه أثرَ حافِر الفَرَس، وبقُربها حُفرة مدوَّرة في أرض الحجرة، يبلغ قطرها 7 سنتمتراً، ويُعتقَد أنَّ هذه الآثار تعود إلى وقفة وقفها الإمام علي (ع)، فالانخفاض في الصخرة هو أثَر حافر فرسه، والحفرة المدوَّرة هي محلّ وقوفه.

ص: 128

قطارة الإمام علي (ع)

هناك على يمين الطريق بين كربلاء وعين التمر، وعلى مسافة 2 كيلومتراً من الطريق العام، تقع قطارة الإمام علي (ع)، والطريق الذي يؤدّي إليها ترابي، والمنطقة التي يوجد فيها هذا الأثرَ مُحاطَة بكهوف منحوتة، ومستوى الأرض فيها أعلى من مستوى الأراضي المجاورة، والكُتل الصخرية الموجودة بقُربها تحتوي على أكاسيد نحاسية تميل إلى اللون الأخضر الفاتح. يعتقد العامَّة أنَّ الإمام علي (ع) كان يتردَّد على منطقة عين التمر أيام خلافته، وتنقل الروايات أنَّ الماء الذي كان معه ومع أصحابه قد نفذ عند مروره مع الجيش، في مسيره إلى حرب صفّين، فلمَّا حان وقت الصلاة، توجَّه الإمام نحو مُنحدَر وصلَّى بالجيش ركعتين، ثُمَّ دعا ربَّه فانحدر الماء من الجبل، فقام أفراد الجيش يملؤون القُرَب. ومن معاجز هذه القطارة أنَّ الماء بقي على حاله، لايزيد مستواه ولاينقص. ولم أعثر على ما يشير إلى تفاصيل هذا الأثر، سوى مانُقل عن ابن أعثم، عن وجود عين ماء عميقة الغور بالقرب من تلك المنطقة، تُنسَب إلى الإمام علي (ع).

ص: 129

مقام الإمام زين العابدين (ع)

يقع هذا المقام عند مدخل مدينة عين التمر، وهذا المكان يحفظ تاريخ هذه المدينة القديمة، وتمَّ توثيق المكان في لوحَة موجودة داخل هذا المقام. ويعتقد البعض أنَّ هذا المقام يقع في الطريق الذي سلكته سبايا الإمام الحسين (ع) بعد مقتله، في يوم 10 محرم سنة 61 ه، عندما أُخذَت عائلته سبايا إلى الشام، وكذلك في طريق عودتهم من الشام إلى المدينة المنورة، حيث توقَّفوا في عين التمر.

ص:130

ص: 131

خاتمة

من خلال هذا العرض، يتبيَّن للقارئ وَفرَة ما موجود في مدينة كربلاء المقدَّسة وتوابعها، من الآثار والمواقع التاريخية، منذ العصر البابلي، كما انتشرت فيها مجاميع من القصور والتلال الأثرية، التي تدلّ على حضارة مهمَّة، وثمَّة مواقع أثريَّة أُخرى لم تزل غير مُنقَّبة، يضاف إلى ذلك أنَّ رجال البِرِّ والإحسان أنشأوا منازل وخانات في الطُرق العامّة لراحة المسافرين، يوم لم يكن في حينها وسائط النقل الحديثة مُتيسّرة، لا سيما الذين يؤمُّون زيارة العتبات المقدَّسة.

ومهما يكن من أمر، فإنَّ البعض من هذه المواقع التي طواها الإهمال ووقع على أرضها من الأحداث كانت هي السبب في تدمير القصور والعمائر والسور الكبير الذي بقيت أطلاله قائمة حتى سنة 1335 ه/ 1917 م.

ونخلص ممّا تقدَّم كلّه إلى أنَّ هذه المواقع لم تشهد تطوّراً كبيراً، ولم تحظ باهتمام من قِبل الجهات المسؤولة، في حين أنَّ هذه المدينة فيها ما هو جدير بالحماية والرعاية والإبراز، من

ص: 132

المواقع والتلال الأثريَّة والقصور، التي ما زالت محطّ إعجاب السُيّاح القادمين من البلدان البعيدة، وقد كتب بعضهم الدراسات والأبحاث التي تكشف عن مدى ما توصل إليه إنسان وادي الرافدين من تقدّم وتطوّر.

وإني أرى أنَّ هذه المواقع بحاجة إلى إصلاح واستغلال، والسعي للمحافظة عليها وإدامة جمالها، حيث لم تشهد تطوّراً كبيراً؛ لأنَّ البعض منها بحاجة إلى ترميم ورعاية، فهي تحوي تاريخنا وحضارتنا منذ عهد سَحيق، وصولًا إلى تاريخ الدولة العثمانية. فلابدَّ من تخصيص دعم مالي كبير لها، حتى يتمّ إجراء ما تحتاجه من ترميم، وسيُدرك القارئ مدى الجهد الذي بذلته في جمع هذه المادة، لتكون صفحة مُشرقة من تاريخ مدينة كربلاء المقدَّسة، وحضارتها العريقة، ولعلَّ في هذه التعاريف ما يوضح الجوانب المهمّة منها.

ولا تزال زيارة هذه المواقع الأثرية في المدينة المقدَّسة حلماً يداعب ملايين المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، وتشرَئبّ لها الأعناق من بعيد، فتتشوَّفها فردوساً رائعاً يتعبَّد في محرابه السحر والإيمان.

هذا ما بَدَرَ إليه الذهن القاصر، والله ولي التوفيق.

ص: 133

المصادر والمراجع

ت

t

اسم المصدر أو المرجع المؤلِّف مكان وسنة الطبع

أقرب الموارد سعيد الخوري (بيروت- 1989 م)

الأخيضر علي محمد مهدي (بغداد- 1969 م)

الأخيضر الآثار القديمة في العراق مديريَّة الآثار العراقية (بغداد- بلا)

أشهر الاغتيالات السياسية في العراق أحمد فوزي (بغداد- 1987 م)

أعيان الشيعة السيد محسن الأمين (دمشق- 1365 ه)

البابليّات الشيخ محمد علي اليعقوبي (النجف- 1951 م)

البدو والقبائل الرحَّالة في العراق مكّي الجميل (بيروت- 426 ه)

البيوتات العلويَّة في كربلاء إبراهيم شمس الدين القزويني (كربلاء- 1963 م)

تاج العروس محمد بن مرتضى الزبيدي (بيروت، مكتبة الحياة- بلا)

تاريخ الأُمم والملوك محمد بن جرير الطبري (القاهرة، دار المعارف- 1960 م)

تاريخ فنّ العمارة العراقية في مختلف العصور شريف يوسف (بغداد- 1982 م)

تاريخ كربلاء وحائر الحسين (ع) د. عبدالجواد الكليد دار آل طعمة ط 2 (بغداد- 1967 م)

تاريخ العراق بين احتلالين عباس العزاوي (بغداد- 1935 م)

تراث كربلاء السيد سلمان هادي آل طعمة ط 2 (بيروت- 1983 م)

ص: 134

تسخير كربلاء السيد عبدالرزاق الحسني ط 2 (بيروت- 1980- م)

جغرافية كربلاء القديمة وبقاعها د. عبدالجواد الكليددار آل طعمة (مخطوط)

جريدة (الأخيضر) الكربلائية اللجنة الإعلامية 1978 1972 م

جريدة (القدوة) الكربلائية ع 44 (13 ذو الحجة 1373 ه/ 1953 م)

جريدة (الرقيب) ع 1405 (رجب 1328 ه)

جريدة (المدى) ع 60 (24 شباط 2004 م)

جريدة (المجتمع) الكربلائية ع 34، س 6 (5/ 7/ 1969 م)

جريدة (الجمهورية) ع 6856 (25/ 6/ 1988 م)

جريدة إعمار كربلاء ع 44 (كانون الأول 2007 م)

جريدة كربلاء اليوم ع 139 (الاسبوع الخامس من تموز 2008 م)

جنات ثمانية محمد باقر بن مرتضى الحسيني

تحقيق: محمد رضا الأنصاري (قم- 1421 ه)

الحركة الأدبية المعاصرة في كربلاء السيد صادق محمد رضا آل طعمة ج 1 (كربلاء- 1968 م)

دائرة المعارف الحسينية الشيخ محمد صادق الكرباسي (تاريخ المراقد) ج 3 (بيروت- 1424 ه/ 2003 م)

دائرة المعارف الإسلامية تحقيق محمد زكي خورشيد وجماعته (القاهرة، دارالشعب، بلا)

دليل كربلاء المقدَّسة السيد سلمان هادي آل طعمة (بيروت- 2001 م)

الدليل العراقي الرسمي لسنة 1936 م (بغداد- 1355 ه/ 1936 م)

الدليل الإداري للجمهورية العراقية (بغداد- 1409 ه/ 1989 م)

دليل كربلاء السياحي سمير خليل شمطو (بغداد- بلا)

رحلة الفرنسي تافرنيه إلى العراق في القرن السابع عشر ترجمة: كوركيس عواد وبشير فرنسيس (بيروت- 2006 م)

ص: 135

رحلة وديوان الماحي الماحي (القاهرة- 1937 م)

سفرنامه أديب الملك به عتبات عبدالعلي أديب الملك، (فارسي)، تصحيح: منصور كلزاري (طهران- 1364 ه)

سفرنامه سيف الدولة سلطان محمد بن فتح علي شاه،

تصحيح: علي أكبر خدا برست (طهران- 1364 ه)

سفرنامه عتبات ناصرالدين شاه قاجار ناصرالدين شاه قاجار (طهران 1363 ه)

سفرنامه سديد السلطنة محمد علي خان (طهران 1362 ه)

شيعة العراق إسحاق النقاش (قم 1998 م/ 1419 ه)

الصواعق المحرقة ابن حجر العسقلاني (بيروت 1420 ه)

الضبط المُنظم برقم 102 المؤرَّخ (7 ذوالحجة 1295 ه)

ترجمة عزيز سامي الخطابي

العرب والعراق علي الشرقي (بغداد 1963 م)

عين التمر طالب علي الشرقي (النجف 1969 م)

عامان في الفرات الأوسط عبد الجبار فارس (النجف 1934 م)

العمارات العربية الإسلامية د. عيسى سلمان وجماعته (بغداد 1982 م)

الفهرست الشيخ الطوسي (النجف 1356 ه)

كربلاء أرض المقدَّسات ماجد جياد حسين الخزاعي (النجف 2007 م)

كربلاء وتاريخ عمرانها د. عبدالجواد الكليددار آل طعمة (مخطوط)

كربلاء بين ماضيها المجيد وحاضرها المُشرق اللجنة الإعلامية لاحتفالات يوم المحافظة (بغداد 1986 م)

كربلاء في الذاكرة السيد سلمان هادي آل طعمة (بغداد 1987 م)

كربلاء في التاريخ السيد عبدالرزاق الوهاب آل طعمة (مخطوط)

گلشن خُلفا مرتضى نظمي زاده.

نقله إلى العربية: موسى كاظم نورس

مجالي اللُطف بأرض الطف الشيخ محمد السماوي (النجف- 1941- م)

ص: 136

مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع لعبدالمؤمن بن عبدالحق (لندن- 1850- 1864 م)

معجم البلدان ياقوت الحموي (بيروت- 1957 م)

مجلَّة سومر مج 21 (1965 م)

مجلَّة لغة العرب ج 1 السنة 2 (1912 م)

مجلَّة ألف باء (كانون الأول 1995 م)

مجلَّة (الكوثر) النجفية ع 48، السنة 3

مجلَّة (العرفان) اللبنانية مج 28 (ذوالقعدة وذوالحجة 1357 ه/ 1938 م)

مجلَّة (التراث الشعبي) ج 1 س 3 (حزيران 1966 م)

مجلَّة (المقتَبس) مج 7 (1330 ه/ 1912 م)

مجلَّة (المُقتَطف) مج 55 (تموز 1919 م/ 1337 ه)

مدينة الحسين محمدحسن الكليددار آل طعمة (بغداد، 1947 م)

مساجد كربلاء وحسينياتها السيد سلمان هادي آل طعمة (مخطوط)

موسوعة العتبات المقدّسة كربلاء المقدسة جعفر الخليلي (بيروت- 1966 م)

النجف الأشرف عاداتها وتقاليدها طالب علي الشرقي (بيروت- 2006 م)

نُزهة أهل الحرمين في عمارة المَشهدين السيد حسن الصدر ط 2، (كربلاء- 1965 م) نزهة الإخوان في وقعة بلد المقتول العطشان مؤلَّف مجهول

تحقيق: السيد سلمان هادي آل طعمة (مخطوط)

نُزهة الغري في تاريخ النجف محمد الشيخ عبود الكوفي (النجف- 1952 م)

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.